لا يجوز تفسير القرآن وفق النظريات العلمية المعاصرة التي لم يقطع العلم بها، بحيث نقطع أن تفسير الآية مطابق لهذه النظرية العلمية، لسببين:
1. أن لغة القرآن تحتمل ولا بد معانٍ أخرى سوى هذه النظرية العلمية، لأن لغة العلم التجريبي المعاصر تختلف ولا شك عن لغة القرآن، فحمل أحدهما على الآخر هو حمل ظني إلا إذا كانت الآية نص في المعنى المقصود، فالقطع بهذا التفسير العلمي للآية هو من باب التقول على الله بغير علم وهو لا يجوز.
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار" (رواه الترمذي وهو حسن صحيح).
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر، لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب".
والرأي هنا المقصود به غير المبني على أساس علمي صحيح مطابق للغة القرآن ومقاصده.
2. أن النظريات العلمية التي لم يقطع بها العلم المعاصر، تكون قابلة للخطأ والصواب والتعديل والتغيير، فلو حملنا معاني القرآن عليها وفسرنا القرآن بها ظناً منا أن بذلك نظهر إعجاز القرآن، ثم تبين لاحقاً خطأ النظرية أو حصل تعديل عليها فكيف سيكون حالنا حينها وما هو جوابنا على من يتهم القرآن عندها بالخطأ؟!
فمثل هذا التفسير سيفتح باباً للطعن في القرآن والتشكيك فيه وفي معانيه، وسيظهرنا بمظهر من يكذب ليظهر صدق دينه أو معجزته، ولسنا بحاجة إلى شيء من ذلك بحمد الله.
فمعجزة القرآن واضحة لا خفاء فيها، ولا تحتاج إلى شاهد من هنا أو هناك، فقد شهدت البشرية كلها بإعجازه بحمد الله وأوجه إعجازه كثيرة، فلسنا بحاجة إلى شاهد ضعيف أو ليس بثابت قد يكون ضرره أكثر من نفعه.
وهذا كله إذا كان تفسيراً للآية بهذه النظرية العلمية بحيث يدعى أن المقصود من الآية كذلك.
أما إذا كان مجرد ذكره كاحتمال في تفسير الآية، فيقال مثلاً: عن نظرية نشأة الكون وأنه نشأ ابتداءً نتيجة ما يسمى (بالانفجار العظيم)، ويقال أن هذه النظرية يمكن أن نحمل عليها قوله تعالى (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما..)، ونجعل ذلك مجرد احتمال يستأنس به، ولا نجازف بالجزم أن معنى الآية مطابق لهذه النظرية، فهذا مما لا بأس به إذا كانت لغة القرآن وسياق النص القرآني يحتمل هذا المعنى.
لأنه لو ثبت لاحقاً خطأ هذه النظرية فإن الخطأ سينسب إلى هذا القائل ولن ينسب إلى القرآن، فصاحبه لم يجزم أن الله تعالى أراد هذا المعنى من الآية أو أن الآية نصت على هذه النظرية، وإنما ينسب الأمر إلى اجتهاده واعتقاده وهو قابل للخطأ والصواب.
والله أعلم