وصية الأم لأولادها بعمل صدقة جارية لها تعتبر وصية لوارث، وهي ممنوعة شرعًا، ولا تمضي-إلا برضا جميع الورثة ذكوراً وإناثاً- فلو رفض أحدهم فلا تمضي هذه الوصية.
- والوصية جائزة شرعاً بل مستحبة وبعضهم قال واجبة ولكن لغير الورثة وشرط أن لا تزيد عن ثلث التركة.
- ولكن يجب على الأبوين أن يتصدق عن أنفسهم من مالهم قبل موتهم، وذلك بأن يتبرعا مثلاً بحفر بئر ماء أو المساهمة في بناء مسجد أو كفالة يتيم وغيرها من وجوه البر والخير، ولا ينتظروا هذا الفعل من أولادهم في المستقبل، لأنه ربما يحصل وربما لا يحصل، كذلك لا يجوز لهما أن يوصي كلاً منهما بصدقة جارية من ماله الذي تركه لورثته، لأن هذا المال لم يعد يملكه هو، بل أصبح ملكاً للورثة جميعهم، فإن تراضوا فيما بينهم بعمل صدقة جارية عن والدهم أو والدتهم من رأس مال التركة فلا بأس به، ولكن من يضمن أن الجميع سيوافق على ذلك؟!
- أما في حالة وصية المرأة بذهبها لبناتها فهذه وصية لا عبرة بها، لأنها وصية لوارث وهي ممنوعة شرعا، ولا تمضي إلا إذا رضي الورثة بإمضائها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث". رواه الترمذي وأبو داود.
- فلا تمضي الوصية إلا برضا الورثة، ويشترط لصحة رضا الوارث أن يكون بالغا رشيدا، فمن كان صغيرا أو غير رشيد فلا عبرة برضاه، ويبقى حقه محفوظا، وإن رضي بعضهم وامتنع بعضهم مضت الوصية في نصيب من رضي، فيسقط حقه من الميراث في الأساور.
- والأدلة على جواز الوصية:
أولاً: قول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) سورة البقرة (180)
ثانياً: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال: يرحم الله ابن عفراء، قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: فالشطر، قال: لا، قلت: الثلث، قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة، فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك، وعسى الله أن يرفعك، فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون، ولم يكن له يومئذ إلا ابنة. رواه البخاري
- فيتبيّن لنا من خلال هذا الحديث الشريف أن يجوز للمسلم أن يوصي بثلث ماله لغير الورثة، إما لليتامى أو لأعمال الخير من بناء مدرسة أو مسجد أو مشفى، كفالة يتيم أو تدريس طالب جامعي وغيرها من وجوه البر.
- ومن حكم مشروعية الوصية:
أولاً: تعميم الخير لغير الورثة وذلك من أجل توثيق العلاقات وتمتينها بين المسلمين.
ثانياً: طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وطمعاً في ثوابه في الآخرة، والاستغفار للموصي بعد موته ممن أوصى له.
ثالثاً: صلة للرحم من الأقارب غير الوارثين.
رابعاً: التكافل الاجتماعي بين المسلمين وإحلال المحبة بينهم ودفع الحسد والبغض المتعلق بمال الموصي.
خامساً: سد خلة المحتاجين وتخفيف الكرب والفاقة عنهم.
- ولا بد من التنبيه هنا إلى أمر هام وهو أن موضوع التركات والوصية الأصل يترك النظر والتفصيل بها إلى المحاكم الشرعية والتي بدورها تبين نصيب كل فرد من الأفراد المستحقين للورثة ذكوراً كانوا أو إناثاً: لأن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وعليه فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.