هل يجوز الدعاء على الشيء الذي يشغلنا عن الدين وما مدى صحة قصة أن نبياً قتل خيلاً لأنها ألهته عن الصلاة

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٣ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
ما يشغل العبد عن الحق وما هو نافع له في دينه في الواقع هو نفسه وهواه وليس هذه الأعراض من مال او ولد أو زوجة، لأنك انت من يقرر كيف تتعامل مع هذه الأعراض فإما ان تصيرها نعما بحسن تعاملك وأداء حق الله فيها ، وإما أن تكون نقمة إذا انشغلت فيها وجعلتها أكبر همك ومبلغ علمك !

وهذه الأمور إما أن تكون لها حرمة كالولد والزوجة فلا يجوز الدعاء عليها بالهلاك ونحو ذلك ، وإما أن يكون مالا مباحا فيكون الدعاء عليها فيه رغبة بإتلاف المال وإهلاكه وهذا خلاف المشروع من حفظ المال المباح والاستعانة به على طاعة الله ، وإما ان يكون مالا محرما فهذا يجب إتلافه أصلا فلو دعا عليه فلا بأس كما لو كانت آلات معازف .

ولما كان بعض أولاد وزوجات الناس سببا عن التخلف عن العلم النافع والالتحاق بالرسول عليه السلام والتفقه في الدين هموا بمقابتهم لما رأوا غيرهم سبقهم إلى ذلك الاتنفاع فنهاهم الله عن عقوبتهم ودعاهم إلى ان يرجعوا باللوم على أنفسهم كما في سورة التغابن (يا أيها الذين امنوا إن من ازواجكم واولادكم عدوا لكم فاخذروهم وإن تعفوا  وتصفحوا وتغفروا فإن غفور رحيم ).

والمشروع له بدل الدعاء عليه التصدق به غن كان مما يتدصق به لوجه الله تعالى او ببعضه كما فعل كعب بن مالك لما كان ماله وبستانه سبب في تخلفه عن غزوة تبوك ، فلما تاب الله عليه أراد الخروج والصدقة بجميع ماله ، فامره الرسول عليه السلام ان يتصدق ببعضه ويمسك بعضه .

روى الإمام أحمد عن أبي قتادة ، وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت ، قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي ، أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل ، وقال : « إنك لا تدع شيئا اتقاء الله تعالى ، إلا أعطاك الله عز وجل خيرا منه »

ولكن مع ذلك لو ان هذا الدعاء صدر في لحظة غضب وغيرة لله وحزن على ما فرط الإنسان في جنب الله فلا  يؤاخذ به إن شاء الله .

أما قصة النبي المسؤول عنها أنه قتل الخيل لما الهته عن الصلاة ، فهي القصة الممنسوبة والمذكورة عن سليمان عليه السلام في تفسير آيات سورة ص :

قال تعالى : وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)).

فبعض المفسرين فسروا هذه الآيات على معنى أن سليمان عليه السلام كان يحب الخيل للجهاد عليها ، فأجراها يوما وانشغل بها ،حتى نسي صلاة العصر وغابت الشمس ولم يصل ، فحزن على ما فاته فامر برد الخيل عليه فأخذ يقتلها بقطع أعناقها وأقدامها .

ورد اخرون هذه القصة ورفضوها كليا لأنها لم تثبت بسند صحيح ، ثم لأنها تتعارض مع عصمة الأنبياء ومقامهم ، وفسروا الايات بان أجراها ثم اخذ يسمح عليها بيده فعليا حبا لها لأنه تعينه على الجهاد في سبيل الله .

قال ابن كثير : ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل  بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر ، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدا بل نسيانا ، كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه،.

... قال الحسن البصري : قال : لا ، والله ! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ، ثم أمر بها فعقرت . وكذلك قال قتادة .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها ، وهذا القول اختاره ابن جرير . 

قال : لأنه لم يكن ليعذب حيوانا بالعرقبة ، ويهلك مالا من ماله بلا سبب ، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها .

وهذا الذي رجح ابن جرير ، فيه نظر ; لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا ، ولاسيما إذا كان غضبا لله تعالى ، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة ; ولهذا لما خرج عنها لله تعالى ، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها ، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ، ورواحها شهر ، فهذا أسرع وخير من الخيل .

وممن رد هذه القصة ابن حزم رحمه الله احيث قال : تأويل الآية على أنه قتل الخيل ; إذ اشتغل بها عن الصلاة . خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة ، قد جمعت أفانين من القول ; لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها ، والتمثيل بها ، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى ، ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل ، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها ز

وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير . من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس ، أو تلك الصافنات بحجابها ، ثم أمر بردها . فطفق مسحا بسوقها ، وأعناقها بيده ، برا بها ، وإكراما لها ، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره ، وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة ، وكل هذا قد قاله ثقات المسلمين . فكيف ، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.

وعلى كل حال لو قبلن الروية الأولى للقصة فلا يستدل بها في شرعنا على جواز قتل ما أو الدعاء على ما ألهاك عن ذكر الله .

والله أعلم