هل هناك فرق بين جمع المعلومات والحصول على المعلومات عن طريق التعلم؟

1 إجابات
profile/مغيداء-التميمي
م.غيداء التميمي
مهندس مدني
.
٢٢ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الجواب على سبيل الإيجاز هو نعم، بالتأكيد هناك فرق بين جمع المعلومة، وبين تعلمها وتطبيقها. وأعتقد أن هناك مشكلة واضحة عند الكثير من الناس الذين يمتلكون صعوبة فعلية في توظيف المعلومات التي تصلهم، فهم يسمعونها جيدا ويركزون بها ويفهمونها، إلا أنهم لا يعلمون ماذا بإمكانهم أن يفعلوا بهذه المعلومة، ولا كيف يستخدمونها في سبيل تفصيل حلول خاصة بهم وبمشاكلهم الشخصية وظروفهم المختلفة.

يريدون حلولا تفصيلية، وردودا شخصية على مشكلتهم هم بالذات، رغم أن جميع المعلومات التي تلزمهم متوفرة لديهم، ومن خلالها يمكن لهم أن يجدوا الحل الذي يناسبهم بنفسهم، كل ما هو مطلوب منهم هو أن يجهدوا دماغهم قليلا في تركيب المعلومة على تفاصيل حياتهم واستنتاج الحل منها.

إن حولنا الكثير من الأشخاص في المجتمع، الذين يقضون طوال وقتهم في قراءة القرآن وقراءة التفاسير، إلا أنهم عندما يصيبهم أمر ما مثلا، يذهبون ليستفتوا شيخا، رغم أن لديهم جميع المعلومات اللازمة التي قرأوها وحفظوها خلال عشرات الساعات، فلماذا لا يوظفون المعلومات التي تعلموها بشكل مفيد في حياتهم؟

لهذا السبب أريد أن أشرح لكم الفرق بين عملية جمع المعلومات، وعملية التعلم. الفرق بين أن تجمع معلومات قيمة وثرية ومفيدة، وبين استخدام هذه المعلومات التي تفيدك في حياتك، تماما كما تقوم السيدة بشراء الأقمشة الجميلة الزاهية، إلا أنها لا تستخدمها، رغم أن بإمكانها تفصيل ملابس جميلة منها، لكن لسبب ما، هي لا تفعل.

هل يكفيني الحصول على المعلومات؟ أم علي القيام بشيء ما؟

سأشرح لك بمثال، لعل الصورة تتوضح لك أكثر.
لو قمت أنا بنشر منشور من خلال أحد وسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، وكتبت فيه تحذرا، بأنني قرأت بحثا علميا، نشر على المستوى العالمي وتم اعتماده، ومصادره موثوقة وقوية وصادقة، يقول هذا البحث أن عليكم الحذر من تناول الطعام الفلاني لثبوته عبر الدراسات بأنه مسبب لمرض السرطان، فيخاف من يقرأ المنشور، ويقوم الجميع بمشاركته في كل مكان، عبر المجموعات الخاصة والعامة وعبر الصفحات المحلية والعالمية، ويخبرون عائلاتهم وأصدقاءهم، من أجل تحذير الناس من هذا الطعام الذي يسبب السرطان، ومن ثم تتوجهون إلى المطبخ، وتقومون بتحضير نفس هذا الطعام الذي تم التحذير منه، لكم ولأبنائكم، وتتناولونه بطريقة عادية جدا، وبشكل يومي.

 إذا في هذه الحالة، لم تتحول المعلومة التي حصلتم عليها إلى معرفة مفيدة في حياتكم، بحيث تكون لكم خبرة يمكنكم الاستفادة منها وتطويرها وتبنى على أساسها حياتكم. وقم بقياس الأمر على كل المعلومات التي تصلك ولا تستفد منها فعليا. لأننا كلنا نقع في نفس الخطأ. علينا أن نبذل المجهود حتى نتجاوز فكرة أن نجمع المعلومات ولا نستخدمها ولا نطبقها، في هذه الحالة، تكون هذه المعلومات عديمة الفائدة، أي أن المعظم لديه مشكلة في عدم القدرة على استنباط الحلول الشخصية من المعلومات

السبب الرئيسي لهذه المشكلة يعود إلى الدمار الفكري الذي تسبب به نظام التعليم في الأجيال السابقة في العالم العربي كله، المبني على الحفظ والتسميع والتخويف من التفكير الابتكاري أو التفكير الناقد أو القياس أو الاستنتاج، وهو ما ينطبق على جميع الأجيال السابقة، لكن مؤخرا بدأت بعض الدول العربية بتطوير أساليبها التعليمية، وأصبح المعلمون والمدرسون يعلمون طلابهم بطرق وأساليب متطورة جدا، بعيدة عن الحفظ والتسميع، إلا أن البعض الآخر ما زال يستخدم نفس الأسلوب العقيم، والذي تجاوزه منذ زمن في العالم المتقدم.

إلى جانب مشاكل التعليم، هناك بعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة، ومنها أن التفكير حكر على أشخاص معينين، فعنما تشاهد المقابلات على القنوات الإخبارية، تجد المذيعة تقدم الشخص على أنه "مفكر"، فإذا كان فلان مفكرا، فماذا عن المتابعين؟ وماذا عن باقي البشر؟ ماذا يعني أن يمتهن شخص ما مهنة التفكير؟  هل وظيفته التفكير بينما نحن الباقون لا نملك هذه الملكة؟

إن أي إنسان كرمه الله بالعقل هو مفكر، كلنا نملك القدرة على التفكير، وأعتقد أنه من الخطأ أن يحتكر التفكير، وكذلك الأمر ينطبق على الناقد، كما أن هناك مشكلة نفسية متكررة، وهي الإنكار، بحيث يكون أحدنا يعلم حل مشكلته، ويعلم أن الحل مؤلم بالنسبة له، إلا أنه ينكر ويبعد عقله عن التفكير بها، ويخدر نفسه بأمور بعيدة عن الحل، ويكون كما أنه مصمم على إغلاق عقله حرفيا، فإما أن يهرب من المعلومة تماما ويقفل وعيه عن استيعابها، أو يتعمد عدم الاستماع أصلا، وقد يقوم بذلك عن قصد أو عن غير قصد.

طالما مرت المعلومة على الشخص، فحتى لو تعمد إهمالها والتظاهر بعد سماعها، إلا أنها ستظهر له مرارا على عدة أشكال، كالتوتر والقلق، أو في الأحلام خلال نومه، أو وهو سرحان في خياله، فسيرى نفسه وسيتخيل الحل الصعب والمؤلم الذي كان يتحاشاه.

مشكلة التعليم التلقيني، أنه يحد من تفكيرك، ويدمر قدرة الشخص على الاستقلال وأخذ المعلومة والتفكير بها بحرية وانفراد، دون رقابة المعلم أو الأب أو الأم، فلا يتمكن من ابتكار واستخراج فوائد مبتكرة وشخصية، لأن كل إنسان فريد ومختلف عن غيره، لذلك فإن المعلومة الواحدة، والتي تمر على ملايين الناس، يجب أن يكون لها ملايين من طرق الاستيعاب المختلفة، وملايين من طرق الاستخدام، لأن كل واحد فينا مختلف ولا يشبه غيره في ظروفه وسايكولوجيته وبيولوجيته وقدراته وميوله وذكرياته وغيرها من الأمور.

 أما في حال التعليم التلقيني فإنه يطلب من كل الناس أن يتطابقوا في التفكير، فنفس المعلومة التي يتعلمها ملايين الأشخاص تجعلهم كلهم يفكرون بنفس الطريقة. وكأننا جميعا نقدم امتحانا واحدا وعلينا جميعا أن نكتب الإجابة النموذجية المحددة مسبقا، ولا تكون شخصا متفوقا إلا إذا أجبت الإجابة النموذجية التي هي ليست أصلا من تفكيرك والتي فرضت عليك وأجبرت على الاقتناع بأنها صحيحة ولا بديل لها.

والمشكلة الأخرى في التعليم وتأثيرها على الفهم هو أن التعليم المتوفر في بلادنا هو التعليم النظري، أغلبها نظريات قديمة، فأنت لا تستفيد من المعلومات ولا تطبقها عمليا في حياتك العملية ولا فائدة منها في الحياة الواقعية، هي مجرد معلومات يتم حفظها ومن ثم نسيانها بمجرد تقديم الامتحان.

أيضا مشكلة عدم تدريس مهارات التفكير أيضا، خاصة التفكير المنطقي، الذي يجيب على الأسئلة التي تبدأ بـ "كيف؟" والتفكير الناقد الذي يجيب على الأسئلة التي تبدأ بـ "لماذا؟"، رغم أن هذه المهارات يجب البدء في تدريسها للأطفال منذ عمر الست سنوات.