هناك من يؤيد وهناك من يعارض تسمية الأدب بالذكوري أو النسوي أو أدب المرأة أو أدب الأنثى، فالأدب النسوي بشكل عام هو الأدب أو النصوص الأدبية التي تعنى بقضايا المرأة.
الأدب بشكل عام هو عبارة عن إنتاج فكري، وترجمة عاطفية، لتجربة خاصة، وهذه التجربة في النهاية تعكس إحدى صور المجتمع، وتعكس هوية أمة وحضارة، لذلك، أما الأدب النسوي، وكلمة نسوي ترجع في الأصل الى كلمة نساء، فهو مصطلح يشكل جدلية كبيرة، فهل الأدب النسوي تصنيف الجنس الأديب أو جندره، أم هو الأدب الذي يتناول القضايا التي تتعلق بالمرأة؟
وقد أخذ هذا المصطلح أسماء متعددة، منها الأدب النسائي وأدب الأنثى وأدب المرأة، ولكن في النهاية نجتمع جميعا على أن الأدب النسوي لم يكن هناك تصنيف له في عالم النقد، لا عند النقاد القدامى ولا عند النقاد المحدثين او حديثي العهد، ولا النقاد الغربيين ولا النقاد الشرقيين، فلم يقولوا يوما ما أن هذا النص الأدبي رجولي، وبناء عليه، لا يقولون ايضا ان هذا الأدب نسوي.
كذلك، لماذا نفرد المرأة بإنتاج خاص، وهي عنصر أساس في المجتمع والحياة اليومية، طالما أننا نعترف ونأخذ بعين الاعتبار بأن النتاج الأدبي لا ينفصل عن الحياة اليومية، والحياة اليومية هي مضمار للفرد، وبالتالي للمجتمع. إذا هي تؤدي دورا كبيرا كما يؤديه الرجل.
وحقيقة الأمر أن من الأديبات اللواتي رفضن هذا المصطلح أحلام مستغانمي وغادة السمان والشاعرة فاطمة ناعوت وغيرهن من الأديبات، ولكن أريد التنبيه الى نقطة بأن الأدب العربي حيث كان البعض يرى أننا كعرب نتحيز الى جانب الرجل أكثر من المرأة، علما بأنه بعد عدة قراءات واطلاعات، تكشف لي أن أساس هذا المصطلح جاء أساسا من الغرب، من امتداد العصور الوسطى أي العصور الظلامية التي كانت فيها المرأة ينظر اليها نظرة دونية في أنظار مجتمعها، ومن هنا جاء التحيز العنصري بين الرجل والمرأة، خاصة في ظل ما بعد الحروب العالمية التي أورثت الكثير من الثكالى، كالأم التي فقدت ابنها وأورثت أيضا الكثير من الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن، فطغى العالم النسوي، وعالم الأطفال مقارنة بالرجال، فبدأ التحيز حقيقة، و بدأ حينها يظهر للأديبات الغربيات أن هناك تحيز جنسي، فلا تؤخذ القصة او الرواية او الشعر او الاعمال الادبية كإنتاج أدبي كما يؤخذ للرجل، لذلك، تخفى الكثير من الأديبات الغربيات وخاصة الأوروبيات والأمريكيات بشكل عام تحت أسماء وهمية، تقنعن به حتى حتى يتجاوزن هذا التحيز الجندري، منها القصة المعروفة للأخوات برونتي، فإيميلي و آن و تشارلوت تخفين بأسماء وهمية للرجال مثل كوربيل وآينسبير، فاضطهاد المرأة في الغرب انتقل أيضا إلى عالم الأدب، فالرواية التي تنتجها امرأة لا تلق رواجا كالرواج الكبير الذي تلقه الرواية من تأليف الرجل.
لكن الصورة المشرقة للأدب العربي لو تتبعنا العصور، الجاهلية وصدر الإسلام والأموي والعباسي، لوجدنا وسمعنا بتماضر بنت عمرو الشريدي وهي الخنساء، وهي شاعرة وتحدثت بالرثاء، وكانت لغتها الخطابية قوية، وهي دليل على أن الأدب النسوي ليس ناعما كما يعتقد البعض، فجليلة بنت مرة في نثرها وأشعارها كانت تقارع الرجال بلغتها الخطابية و والحماسية، وكذلك رابعة العدوية، وغيرهن حتى عصرنا الحالي.
لذلك في النهاية اقول ان الادب النسوي برأيي المتواضع وهو رأي موضوعي ومبني على منهج نقدي قديم وحديث أن الأدب النسوي هو الأدب الذي يعالج قضايا المرأة. وأنا ضد هذا المصطلح تحديدا، فلماذا نحيز؟
الإبداع هو عمل منتج، بغض النظر عن جنس الكاتب وجندره، سواء من قام به كان رجلا أو امرأة، وللمرأة دورا مهما في إيصال الأفكار، وحتى نكون منصفين، في بدايات القرن العشرين وتقريبا عام 1918 كان هناك بعض التخفي في بعض الدول العربية التي لاقت إقبال كبير على الادب بفضل انتشار الاستعمار، منهن زينب فؤاد تخفت، ولكن سرعان ما كشفت نفسها في الطبعة الثانية لروايتها في مصر.
كان التخفي في الغرب بغرض التحرر من التحيز الجنسي كما ذكرت لك سابقا، ولكن في الأدب العربي تحديدا، الوضع مختلف، فسبب التخفي هو العفة والخجل والهروب من مظاهر التدين، حتى تلاقي الكاتبة والاديبة ما تريد من الأصداء من طرحها.
يقول النقاد أن دائما ما يكون الإبداع رحمه الألم، أي أن الألم ينتج عنه الاعمال الابداعية، ولا نعني بالضرورة ألم الشخص نفسه، لأن الشاعر أو الأديب بشكل عام اما ان يهتم بقضايا عامة كالقومية والوطنية والسياسة ومجالات الحياة المختلفة، ومنهم من يهتم بالقضايا التي تعني بالنفس الإنسانية والدائرة الفردية التي يعاني منها الشخص.
وبما أن هناك صراع دامي بين المرأة والمجتمع وخاصة المجتمع الذكوري، إذا لا بد من أن يدافع عن هذا الحق، ولا بد من أن يكون هناك أدباء خاصين من أهل هذا الشقاء والألم والمعاناة لإيصال هذا الألم، ومن أصدق من أن يوصله بلسانه عن غيره؟
لذلك أرى أن المرأة أصبحت قادرة على هذا الدور وقد وصلت الى ابعد المستويات في هذا المجال، وخاصة في العصر الحديث.
وجميعنا نعلم أننا لا نستطيع أن نفصل بين الأدب والحياة اليومية، الادب اصلا انعكاس ونتاج له،فيقولون ان المرأة نصف المجتمع، بل هي كل المجتمع، ولها دور ريادي كبير في هذا المجال تحديدا وبالتالي أصبحت قادرة لأنها عملت على نفسها كثيرا في هذا المجال حتى توصل مكانتها والى هدفها المراد من خلال بث رؤيتها ونشر رسالتها الخاصة التي تعنى بالقضايا المتعلقة بها.
هناك مقالة للوزيرة البريطانية السابقة مارجريت تاتشر قالت فيها عبارة: "إن استطعت أن تقول، وأردت أن تقول، فاسأل الرجل، وان اردت ان تفعل، فسأل المرأة" وهي حقيقة موجودة وملموسة، فالمرأة تتمتع بخيال واسع بالحكم الفسيولوجي والخلقي الفطري والعقلي لها، لهذا هي أقدر على إيصال الفكرة بواسطة خيالها الواسع وعاطفتها، ولكن هناك محددات، هي في الأساس مسوغات للأدب كأن يكون فيه نوع من الشاعرية والشعرية وتستند الى الإبداع والتصوير، وراقية عن الكلام العادي، ويتسم بالرمزية والإيحاء وصدق العاطفة.
وهنا أرى أن المرأة أقدر من الرجل على توصيل الفكرة بالعاطفة والخيال الواسع والرومانتيكية، إلا أنه بسبب حدود العفة والخجل والمقيدات المجتمعية عند الانثى العربية، قد يهبط المستوى الأدبي، فأجمل الأدب أكذبه، وما نقصد ب "أكذبه" أي ما يتوغل بالخيال، فيصور القمر بأنه وجه المرأة وهو أمر خارج عن الحقيقة و خارج عن المنطق إلا أنه أدب جميل و يتصف بالفانتازيا والسيريالية.
وسأقترح عليك بعض الكتب ان اردت التوسع في الموضوع:
كتاب الأدب والنسوية لـ بام موريس
كتاب الأدب النسائي المعاصر العربي والغربي لـ ليلى الصباغ