قال الله تعالى (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) سورة يوسف 31
- أي عندما رأين جمال سيدنا يوسف عليه السلام قطعن أيديهن لشدة جمال سيدنا يوسف عليه السلام، ولم يصدقن أنه بشر!.
- فقولهن:"حاش لله" لا يدل على توحيدهن التوحيد الخالص والكامل بأنواعه الثلاث (الربوبية والألوهية والأسماء والصفات) فأهل مصر في ذلك الزمان كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا يؤمنون بتوحيد الربوبية فقط، وهو توحيد الله تعالى بأفعاله.
- والمعنى من قولهن (حاشا لله) هو تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز. من المراودة، أي بعد يوسف عن هذا؛ وقولهن: " لله " أي لخوفه، أي براءة لله من هذا؛ أي قد نجا يوسف من ذلك، فليس هذا من الصورة في شيء.
-والمعنى: أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة؛ فعلى هذا لا تناقض.
-وقيل: المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة، لفرط جماله.
- وقوله: " لله " تأكيد لهذا المعنى؛ فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن، وما بلغهن قوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" فإنه من كتابنا. وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن، ويبين كذبهن، وهذا باطل؛ إذ لا وجوب على الله تعالى، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان، وفي الحسن كأنه ملك؛ أي لم ير مثله.
- ومن المعاني في قولهن (حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم) لأن الناس لا يرون الملائكة؛ فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم. إن هذا إلا ملك أي ما هذا إلا ملك.
- والقصة كما ترويها كتب التفسير: فعندما تحدثت النساء بفتنة زوجة العزيز بفتاها وأنه أصبحت تراوده عن نفسه فكان فعل تقطيع الأيدي فعلا إراديا مقصود بذاته حيث أن امرأة العزيز هي من اشترطت على النسوة تقطيع أيديهن إنْ هنّ أردن أن يراودن يوسف عن نفسه متى ما رأينه وأكبرنه. فنحن نظن أن منطق امرأة العزيز في خطابها مع النسوة حينئذ كان على نحو أن من تُكْبر يوسف (أي أرادت فتنته بمراودته عن نفسه) بعد أن تراه، فلا بد أن تقطع يدها قبل أن تعطى الفرصة إلى ذلك) فكان غرض امرأة العزيز من وراء ذلك هو إلقاء عبء التهمة عن كاهلها الشخصي لترمي به على كل بنات جلدتها من النساء.
- وامرأة العزيز كان عندها من الذكاء والحنكة والفطنة أن تتخلص من هذه التهمة، وكانت على علم بأن كل بنات جلدتها من النساء سيقعن في نفس الفخ لو مررن بالتجربة نفسها، كان من ذكاء ودهاء هذه المرأة غير العادي (كما نتخيله) أن تلملم الخبر بالسرعة الممكنة، فلا يتوسع في الانتشار، وأن تمسك بيدها دليل براءتها الشخصية. من خلال الاشتراط عليهن بأن التي لا تستطيع إغواء يوسف عليه السلام ومراودته أن تقطع يدها!!
وهذا ما حصل بالفعل ولم تستطع أحد من النسوة أن تتنصل من مسؤولية مراودتها ليوسف عن نفسها أمام الملك لأن الأيادي المقطّعة كانت دليلا كافيا على إدانتها!!! - فكانت أيدي النسوة مقطعات في حين بقيت يد امرأة العزيز نفسها (وهي التي كانت أكثر من شغفها يوسف حبا، وأكثر من راودته عن نفسه) بقيت غير مقطعة، لذا عندما طلب يوسف من رسول الملك أن يستجلي الحقيقة سأله عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) (50) فلم يتطرق يوسف في طلبه هذا إلى امرأة العزيز نفسها، وهي التي بسببها حصلت هذه المشكلة من أساسها.