هل فعلاً التوراة والإنجيل والزبور تم تغييرهما، ومن المسؤولين عن ذلك؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٣ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
التوراة والإنجيل والزبور من الكتب التي نؤمن أن الله أنزلها على رسله ولا يصح إيمان المسلم حتى يؤمن بها على وجه الجملة ، وكانت في أصلها حق وشرع يجب العمل بها في زمنها قبل نسخها بالقران المهيمن عليها كما قال سبحانه (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) ( المائدة ، 48 ).

إلا أن حفظ هذه الكتب السماوية لم يتكفل به الله سبحانه وإنما عهد به إلى أحبارهم ورهبانهم كما قال سبحانه في سورة المائدة ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ) .

بينما حفظ القران تكفل الله به ولم يعهد به إلى خلقه لأنه آخر الكتب الصالح لكل زمان ومكان فحفظه الله من تحريف المحرفين كما قال سبحانه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر ، 9 ).

وقد وقع التحريف في الكتب الثلاثة باتفاق العلماء والمسلمين ،وإقرار بعض أحبار ورهبان اليهود والنصارى ، نتيجة عدة عوامل منها : 

1. الأهواء والشهوات التي طغت عليهم وفساد علمائهم إلى درجة أنهم استحلوا تغيير حكم الله وكلامه ليشتروا رضا ملوكهم وأهوائهم .

2. ضياع النسخ الأصلية للتوراة والزبور وموت كثير من علمائهم بعد تعرضهم للنكبات سواء في الغزو الآشوري والغزو البابلي ، حتى قيل أن واحد من علمائهم يسمى عزير هو الذي أعاد كتابة التوراة مما يتذكر ويحفظ  ،فلما نسخت التوراة - أو ما يسمى بالعهد القديم -  بعد ذلك دخلها الخطأ والتحريف والنسيان .

أما الأنجيل فلم يكتب أصلا في عهد المسيح عليه السلام ، وإنما بعد رفعه إلى السماء ومطاردة تلاميذه وأتباعه بدأ بعض تلاميذه وتلاميذ تلاميذه يجمعون بعض ما يتذكرونه من ذلك ،حتى دون بعد 90 سنة من رفعه عليه السلام بعض ما يتذكرونه مما أنزل عليه في عدة نسخ وفي مناطق متباعدة فظهرت نسخ الأنجيل الأربعة .

3. أن كتبهم اختلط فيها كلام الله المنزل في التوراة والإنجيل بكلام علمائهم وتأويلاتهم وتفسيراتهم  .

4. أنهم لم يحافظوا على اللفظ المنزل في بعض النصوص وإنما نقلوها بالمعنى ،وواضح ذلك من اختلاف نسخ التوراة والإنجيل .

وبناء على ما سبق فالتوراة والإنجيل والزبور الموجودة نقطع بوجود التحريف فيها ، ولكن حجم التحريف فيها ليس متفقا عليه ، فبعض العلماء يرى أن التحريف طال أكثر ألفاظها ونصوصها ، وبعضهم يرى أن التحريف طال بعض ألفاظها ولكن التحريف الأكبر إنما طال معانيها بتحريف علمائهم للمعنى وتفسيرها بغير الظاهر من مرادها وتأويلها بحسب أهوائهم وشهواتهم  ، هذا إضافة إلى قيامهم بكتمان الحق الذي يعلمونه منها ، خاصة مسألة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتبشير بذلك .

ومما يؤكد القطع بوقوع التحريف في التوراة والأنجيل سوى إخبار الله لنا بذلك في القران وإخبار رسوله أيضا بذلك ، اشتمال النسخ الحالية للتوراة والإنجيل على كلام يستحيل أن يكون من كلام الله ، كنصوص فيها ذم لله ووصفه بالتعب ومصارعته ليعقوب تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ،ونصوص فيها طعن في بعض الأنبياء كلوط وسليمان عليهما السلام واتهامهم بالسحر أو الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك .

وفي الإنجيل ذكر قصة الصلب فيها مما يقطع أنها من إدخال رهبانهم وتأليفهم  .

ولكن هذا لا يعني أن كل ما في التوراة والأنجيل حاليا باطل محرف بل فيها بعض الحق ، وإن كان هذا الحق اختلط بباطل ،لذلك جاء في الحديث ( كانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَهَا بالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنَا} الآيَةَ.).

أما المسؤول عن تحريفها فليس هو شخص واحد معين ،فالتحريف لم يتم مرة واحدة في زمن واحد وإنما تم على مر السنين وتطاول الدهور ، والمسؤول عن ذلك التحريف علماؤهم ورهبانهم بالدرجة الأولى لأنهم هم الذين عهد لهم بحفظ هذه الكتب .

قال تعالى في سورة آل عمران (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187))

والله أعلم 

  • مستخدم مجهول
  • مستخدم مجهول
قام 2 شخص بتأييد الإجابة