كان استجابة الصحابة لأمر الله عز وجل بتحريم الخمر نهائياً سريعة، فقد ورد على لسان أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه لما نزلت آية التحريم وهو في ذلك الوقت كان ساقياً للخمر عند أبي طلحة رضي الله عنه، فأمره بالتخلص من كل الخمر الذي عندهم، وعندها امتلأت طرق المدينة بالخمر. وهذه القصة دلالة على أن الصحابة رضوان الله عليهم عموماً توقفوا عن شرب الخمر بمجرد نزول آية تحريمه.
ولكن هناك قصة لصاحبي ابتلاه الله بشرب الخمر، حيث إنه لم يستطع التخلص من عادة شرب الخمر وكان ينفذ به حد الشرب في كل مرة يشرب فيها، وهو الصحابي أبو محجن رضي الله عنه، كان معروفاً بعدم قدرته على ترك الخمر وكان في كل مرة يشرب فيها الخمر يُجلد، ولكن شربه للخمر لم يكن يمنعه عن نصرة دينه.
حيث أن أبا محجن خرج مع المسلمين إلى القادسية للجهاد في سبيل الله، وكان قائدهم حينئذ هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأثناء وجودهم بالقادسية جاؤوا بأبي مجحن وقد شرب الخمر، فما كان من سعد بن أبي وقاص إلا أن حبسه عقاباً له على شربه الخمر ومنعه من المشاركة بالمعركة.
ولما سمع أبو محجن صوت المعركة وهو بالحبس نادى زوجة سعد بن أبي وقاص وتوسل إليها أن تفك أسره حتى يستطيع المشاركة في القتال، فتعاطفت معه زوجة سعد وأخرجته من السجن، وعندها ركب أحد فرس سعد بن أبي وقاص، وانطلق في المعركة، وقد لاحظ سعد بن أبي وقاص خيله وقال بتعجب: " الكرُّ كرُّ البلقاء – وهو اسم الفرس-، والضرب ضرب أبي محجن وأبو محجن في الحبس، وبعد انتهاء المعركة عاد لسجنه وألبس نفسه القيود.
ولما عاد سعد بن أبي وقاص أخبرته زوجته بالأمر، فما كان منه إلا أن أخرج أبا محجن من سجنه وقال له: " والله لا أجلدك في الخمر أبداً" فرد عليه أبو محجن وقال: " وأنا والله لا أشربها أبداً".
هذه القصة الوحيدة التي وردت عن صحابي لم يستطع منع نفسه عن الخمر، وفي هذا فائدتين بارزتين نستفيدهما، أولاً: أن الصحابة رضوان الله عليهم يستجيبون لأمر الله عز وجل بمجرد معرفته دون تأخر أو تقاعس، والثاني: أنه لو أن أحد ابتلي بمعصية كبيرة فلا يجب أن يمنعه ذلك عن تطبيق باقي شرع الله أو التقاعس عن حماية الإسلام والدفع عنه، وتقديم العمل الصالح إلى الله عز وجل.
المصادر
79 مشاهدة
