الأولوية في الصيام هنا هي صيام النذر، وبعد صيام النذر يكون الصيام المتطوع، لأن صيام النذر في حق ناذره واجب، بينما صيام التطوع مستحب.
-قال الله تعالى: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)، وقد ورد في الحديث الشريف: (من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه) رواه البخاري.
- فالوفاء بالنذر واجب على من نذر ولكن ليس فورا، فإذا كان النذر غير مؤقت فلا حرج في التأخير، أما إن كان مؤقتاً بزمن معين فيجب الوفاء به في الوقت المقرر، لأن تأخير النذر عن وقته ومع القدرة على الوفاء به لا يجوز شرعاً ويأثم صاحبه، ومن عجز عن الوفاء بنذره فعليه كفارة يمين.
- وحري بالمسلم أن يبتعد عن النذر، لأن النذر لا يصدر إلا من بخيل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن النذر حيث قال: (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً"
- وفي هذا يقول ابن قدامة المقدسي رحمه الله في المغني: وإن لزمه قضاء رمضان أو كفارة قدمه على النذر، لأنه واجب بأصل الشرع فقدم على ما أوجبه على نفسه كتقديم حجة الإسلام على المنذورة.
- كما يقول المرداوي في الإنصاف: "لو اجتمع ما فرض شرعاً ونذر بدئ بالمفروض شرعاً إن كان لا يخاف فوت المنذور، وإن خيف فوته بدئ به، ويبدأ بالقضاء أيضاً إن كان النذر مطلقاً".
-وعليه: فالنذر ليس هو سبب للبرء، ولا سبب لحصول الحاجة المطلوبة، فلا حاجة إلى النذر، ولكنه شيء يكلف به الإنسان نفسه، ويستخرج من البخيل، ثم بعد هذا يندم ويتكلف لاحقا ويود أنه لم يكن قد نذر، فالشريعة بحمد الله جاءت بما هو أرفق بالناس، وأنفع للناس وهو النهي عن النذر.
ولكن متى نذر الإنسان طاعة لله وجب عليه الوفاء كالصوم والصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري في الصحيح.
-وقد تم توجيه السؤال التالي للشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجوز التطوع بالصوم إذا كان عليه صوم نذر؟
فكان جوابه: إذا كان النذر معيناً في ذلك اليوم، فإنه لا يجوز أن يصومه نفلاً مثال ذلك: رجلٌ نذر أن يصوم يوم عرفة أو نذر أن يصوم يوم الأحد المقبل فصادف أنه يوم عرفة فهنا لا ينوي صوم يوم عرفة وإنما ينوي صوم النذر، فالمسألة الأولى: إذا نذر أن يصوم يوم عرفة إذا كان قصده أن يصوم يوم عرفة تطوعاً فهو على نيته يصومه تطوعاً وإن كان نذر أن يصوم يوم عرفة على أنه واجبٌ بالنذر، فإنه يجب عليه أن يصومه ناوياً به وفاء النذر الذي نذره على نفسه.
-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "موجب نذر اللجاج، والغضب عندنا أحد شيئين على المشهور: إما التكفير، وإما فعل المعلق، ولا ريب أن موجب اللفظ في مثل قوله: إن فعلت كذا فعلي صلاة ركعتين، أو صدقة ألف، أو فعلي الحج، أو صوم شهر، هو الوجوب عند الفعل، فهو مخير بين هذا الوجوب وبين وجوب الكفارة، فإذا لم يلتزم الوجوب المعلق ثبت وجوب الكفارة، فاللازم له أحد الوجوبين، كل منهما ثابت بتقدير عدم الآخر، كما في الواجب المخير".
- وعليه: فالأولى أن تصوم صيام النذر أولاً لأنه واجب، والواجب مقدم على التطوع، كما أن وقت التطوع فيه متسع، بينما صيام النذر يجب أن يؤدى في موعده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.