إلى جانب عجائب الدنيا السبعة التي نعرفها، نحن نملك الكثير من عجائب الفلسفة أيضًا. ما سأوضحه هنا أعتبره من أكثر المفارقات غرابة وإثارة للتفكير. هي مفارقة رايفن أو ما تسمى أيضا بمفارقة همبل.
بدايةً لنوضح معنى المفارقة؛ إن المفارقة "هي موقف بالرغم من أن التعليل يبدو ظاهرياً مبني على مقدمات وحجج منطقية، إلا أنه يؤدي إلى تناقض الموقف نفسه أو يؤدي إلى استنتاج غير منطقي"(1).
تم مناقشة هذه المفارقة لأول مرة في أربعينيات القرن الماضي من قبل الفيلسوف الألماني كارل جوستاف همبل (1905 - 1997) يقول همبل -بحسب ما يعتقد- عن الغربان السوداء:
- إن كان الشيء غرابًا فهو أسود. بالتالي:
- إن كل شيء غير أسود هو ليس بغراب!
فعند رؤيتك لغراب أسود طائر ستكون قد رأيت دليلًا على ما سبق، وهذا صحيح منطقيا. لكن المفارقة تظهر عند رؤية وردة بيضاء مثلا. هذه الوردة ليست سوداء وليست غرابًا، وهي مجرد دليل أخر يدعم ما تحدثنا عنه، وهو أيضًا صحيح منطقيًا. لكن تشعر بالتناقض عندما تعي أنك حصلت على معلومة عن الغربان عن طريق وردة بيضاء.
يأتي تلخيص ما سبق من همبل على أنه إذا قدم (أ) دليلأ لصالح (ب)، فإن (أ) يستطيع أن يكون دليلًا لكل شيء يكافئ (ب).
يمكن التخفيف من حدة هذا الجدل عن طريق اللجوء "لاستنباط بايزن"؛ وهي طريقة للاستدلال تستخدم لتحديث موقف فرضية ما عند توفر المزيد من المعلومات حولها.
محاولة لتطبيق هذا الاستنباط نقول؛ إن الأشياء الغير سوداء والتي ليست غربان هي دليل صحيح في صالح مفارقة رايفن، لكن نقطة أن الغربان هي كلها سوداء هي الدليل الأفضل والأقوى لذلك، هي تمنح المزيد من الثقة تجاه النظرية. ثم إن هذا الاستنباط يتوقع منك أن تعرف كم عدد الأشياء الغير سوداء والتي هي ليست غربانًا مقارنة مع تلك الغربان السوداء. من الممكن أن تتوقع فورًا أنه سيكون عددًا كبيرًا، لكن من أين ستأتي بدليل على هذا العدد؟ وكيف قمت بتقييمه؟ وماذا تعني بالأشياء الغير سوداء والتي ليست غربان؟ أو حتى ما هو مفهومك عن الغراب؟ وماذا يعني أن يكون الشيء أسود؟ وهكذا حتى المالانهاية.