هذه الحكمة هي من أقوال التابعي الجليل الحسن البصري رحمه الله رواها عنه أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء.
أما ماذا يستفاد من هذه الحكمة فخلاصتها أنها تذكير للإنسان أن حياته وعمره هي رأس ماله، لأنه فيها يستطيع أن يقدم لآخرته، وكل يوم يذهب فإنما ينقص من عمره وحياته ويقربه إلى قبره.
وقد دل على معنى هذه الحكمة نصوص شرعية منها قول النبي صلى الله عليه وسلم " "نعمتان مغبون" - أي: خاسر- "مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". (رواه البخاري).
فالله تعالى خلقنا وقدر أعمارنا وأمر الملك بكتب أجل كل واحد منا وهو في بطن أمه فلا يزيد ولا ينقص، وهذا العمر هي الفرصة الوحيدة لنا كي نحدد مصيرنا ودارنا يوم القيامة.
وكل يوم يذهب من عمر كل واحد منا فإنه يقربه من قبره وينقص من عمره المكتوب له، فإذا ذهب عبثاً وبلا فائدة تقربه من ربه فهو خاسر مغبون لأنه ذهب عليه وفاته ولم يربح فيه، فهذا حال من لم يربح فيه فكيف من قضى يومه في المعصية والفجور!
ولما يدخل أهل النار فإنهم يصرخون وينادون (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) فيكون الجواب (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ) [فاطر: 37]
يعني ألم تعيشوا عمراً يكفي لمن أراد التذكر أن يتذكر فيه؟
وإذا كان عمر الأقوام قبلنا طويلة تبلغ مئات السنين فإن أعمار أمتنا بين الستين والسبعين وهي كافية لإقامة العذر على كل واحد منا كما جاء في الحديث ( أعذر الله –أي: انقطع العذر من عند الله- أعذر الله المرء يبلغه ستين سنة" (رواه البخاري).
وهذا الفهم يختلف عن فهم أهل الدنيا للعمر، فإنك صرت تجد أهل عصرنا يفرحون بتقدم العمر ويقيمون احتفالات بعيد الميلاد للشخص، وكأن تقدم العمر أمر يفرح به!
فهل يدري هذا المسرور بذهاب عمره وتقدمه ما مصيره وما حاله وأين داره غداً؟!
وهذا إنما هو حال المغرور بالدنيا الذي يظنها دار الإقامة كما حال الغافلين في زمننا، أما حال من عرف قيمة الحياة وغايتها وحقيقة الابتلاء الذي هو فيه فإنه يخاف ولا يفرح.
والله أعلم