عاد شياطينهم وكفارهم إلى ما كانوا عليه من الإفساد والشر وادعاء علم الغيب والسعي في الأرض بالفساد، وبقي مؤمنهم على إيمانه.
وذلك أن الله سخر لسليمان مؤمن الجن وكافرهم في زمنه، وروي أن قادة مردة الجن كانوا سبعة وأن الله مكن سليمان منهم وسخرهم له فكانوا يعملون فيما يشاء وتحت أمره، فمنهم من كان يبني له المحاريب والتماثيل والجفان - يعني الآنية - العظيمة، والصروح الكبيرة، وكان يستخدمهم في جلب الأخبار، واستخدمهم في بناء بيت المقدس.
وكان يعاقب كل من عصى منهم أو تمرد عن أمره كما قال تعالى (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير)
وكانت كفرة الجن تزعم أنها تعلم الغيب وتطلع عليه، فرغب سليمان عليه السلام أن يظهر للناس كذب الجن ودجلهم، فدعى الله سبحانه أن لا يعلم الجن بوفاته إلا بعد عام من موته، ليكون ذلك شاهداً وبرهاناً للناس على كذب الجن ودجلهم فاستجاب الله دعاءه.
فلما قرب أجله وشعر بذلك دخل قصره وجلس على كرسيه كما كان يجلس دائما واتكأ على عصاه ينظر إلى الجن وهم يذهبون ويجيئون في أعمالهم، وهم يطيعون وينفذون خوفاً وقهراً وفزعاً من قوة سليمان وعقوبته لهم، فقبضه الله على هذه الحال والهيئة، ومكث عليها عاماً كاملاً، و الجن تعمل تحسب سليمان عليه السلام حياً وهو قد مات.
حتى بدأت دودة الأرض تأكل عصاه فلما أكلت منها سقط جسد سليمان عليه السلام، فانتبهوا إلى وفاته ، فلما حسبوا المدة التي مكثت دودة الأرض تأكل فيها تبين لهم أنه مات منذ عام، فظهر كذب ادعاء الجن في علمهم الغيب، فلو كانوا يعلمونه ما لبثوا في هذا العمل الشاق كل هذه الفترة وسليمان متوفى عليه السلام.
وهذا ما ذكره الله في قوله في سورة سبأ (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)).
ويروى أنه لما مات سليمان قام كفرة الجن باختلاق كتب سحر وشعوذة ووضعوها في خزانة سليمان، ثم أظهروها وادعوا أن سليمان إنما حكم الجن بهذا السحر، وقد صدقهم طائفة من اليهود في ذلك، حتى اتهموه عليه السلام بالسحر وكفروه وحاشاه عن ذلك،
وعادت الجن أو كفرتهم إلى حالهم قبل حكم سليمان لهم كما قلنا.
والله أعلم