في الحقيقة كان تعرضي الأول للكاتبة ميل روبنز وقاعدة الخمس ثوان التي تتحدث عنها لا يتعلق مطلقًا بالكتاب الذي قامت بكتبه؛ بل كان عن طريق العرض الذي قامت به في TEDx قبل سنوات من تفكيرها بكتابة الكتاب، عندما كانت وبكل بساطة تعرض تجربتها في التخلص من حالة الخمول والاكتئاب التي مرت بها نظرًا للحضيض الذي وجدت نفسها وعائلتها مقيمين فيه.
بدأت الكابوس التي مرت به ميل روبنز عندما فقدت عملها في الـ CNN، ليتبع فقدانها لعملها فشل مطعم زوجها الذي كان يومًا كفي ذروة نجاحه. انتهى بهم الأمر بضائقة مادية صعبة جدًا التي قتلت رونق الحياة والدافع الذي كانت تحتاجه روبنز للبدء من جديد. ومقولة "عندما يدخل الفقر من الباب يخرج الحب من النافذة" كانت منعكسة بشكل واضح على حياة روبنز مع زوجها وأطفالها وأقاربها.
ولم تدرك وقتها أن الكابوس الذي عاشته وقتها سيكون المحرك الرئيس ليس فقط لأن تصبح أحد أكثر المتحدثات طلبًا، بل ولتفتتح شركتين ويصبح كتابها أحد أكثر الكتب مبيعًا في سنة إفراجه.
بعد ليالٍ طويلة من تفكير روبنز قبل خلودها إلى النوم بأنها تحتاج البحث عن عمل جديد لتدفع الديون، وأنها تحتاج بأن تكون أم وزوجة أفضل لعائلتها، أدركت أنها لا تستطيع الجلوس في الأرجاء تشعر بالسوء والأسى نحو نفسها، وأن معرفتها بما يجب أن تقوم به ولماذا تحتاج للقيام به لن يكون أمرًا كافيًا لصنع التغيير أبدًا.
بدأت روبنز بتغيير حياتها عن طريق أخذ قرار بالاستيقاظ مبكرًا وتترك السرير دون استخدام زر الغفوة، وفي الصباح الأول الذي تبع ذلك القرار تخيلت أن شركة ناسا الفضائية معها في الغرفة وأنهم سيقومون بالعد من 5 إلى 1 ومن بعدها سيقومون بإطلاق الصاروخ، اعتبرت نفسها الشيء الذي يجب عليه الانطلاق بعد الوصول إلى العدد 1. وعند العدد واحد انطلقت من السرير وكانت تلك المرة الأولى التي تتخلى فيها عن زر المنبه منذ فترة طويلة.
هذه كانت أول مرة استخدمت بها روبنز قاعدة الخمس ثوان، واستخدمتها في بقية الأمور في حياتها التي احتاجت للقيام بها لكي تقف على أقدامها مجددًا؛ فكانت تشعر بالخجل من التحدث مع معارفها لتسألهم عن فرص عمل تناسبها مروا بها، فقامت بالعد من 5 إلى 1 وضغطت زر الاتصال لتتحدث معهم. عندما انتهت من الديون المتراكمة وعادت الماء إلى مجاريها، وبعد ملاحظتها للتغيير المبهر التي حققته هذه القاعدة على حياة معارفها الذين نصحتهم بها، قررت عرض تجربتها في TEDx.
طلب منها المستمعون كتابة كتاب عن هذه القاعدة، وأخذت روبنز وقتها لاكتشاف العلم الذي يجعل هذه القاعدة مفيدة وفعالة لهذا الحد، ونتج كتاب قاعدة الخمس ثوان. وجد بعض الأشخاص أن الكتاب مكدس وتتكرر به الأفكار بعض الشيء، وهو أمر متوقع بكل صراحة؛ فجمال القاعدة أنها بسيطة ولا تحتاج معلقات طويلة لشرح فكرتها، وبطبيعة الأمر ستحتاج الكاتبة إلى تكديس وتكرار الأفكار والأمثلة لكي تنتج كتاب عنها.
وبإمكاننا تلخيص الأفكار التي عرضتها روبنز في كتابها بما يلي:
1) الإنجاز والحالة المزاجية:
بدأت الكاتبة بشرح كيف أن ربط بدأنا وقيامنا بالأمور التي نعلم أن مصلحتنا ونجاحنا مربوطين بهم بالحالة العاطفية والمزاجية التي نمر بها في للحظة الراهنة هو أسوأ وأخطر فكرة يمكننا اتباعها. فحسب تجربتها الشخصية وتجربة العديد منا، شعور التعب والإحباط والحزن والكسل الذي نمر به لن يذهب من تلقاء نفسه ليستبدله شعور الحماس والرغبة على العمل؛ فشعور الكاتبة على سبيل المثال بالخجل من الاتصال بمعارفها لن يختفي فجأة، وقد تلاشى بسبب قيامها بفعل الاتصال.
فالكاتبة تعتقد أن التحفيز -خاصة الذي يعتمد على إثارة بعض العواطف بداخلك بشكل مؤقت- عديم النفع؛ فاستماعك أو قرأتك لقصتها مثلًا لن يتجاوز كونه دافعًا للبدء. لكن قيامك بتلك القاعدة التي تدفعك على أخذ سلوكيات فعلية وبدنية اتجاه الأمر الذي تخشاه أو لا تريد القيام به سيساعدك على النجاح.
خالف هواك ترشد، لا تدع الحالة العاطفية والنفسية التي تمر بها الآن تحدد نوع الأفعال التي يجب عليك القيام بها، شعور التحفز والسعادة والإنجاز يوالي العمل ولا يسبقه. عملك على هذه النصيحة سيجعلك قادرًا على فرض السيطرة على الأفعال وَردود الفعل التي تقوم بها؛ مما بدوره يرفع من شعورك بالثقة بالنفس.
2) 5، 4، 3، 2، 1... اكسر العادة السيئة!
الهدف من هذا العد التنازلي هو إيقاف الحوارات العقيمة التي يدخلك بها عقلك ليخرجك من رغبتك بالقيام بالأمر الذي تحتاج بالقيام به؛ فعندما تبدأ بالعد أنت بالفعل تخبر عقلك بالتوقف عن التفكير بالحجج ويجهز نفسه لأخذ الأفعال اللازمة للقيام بالنشاط الذي قررت القيام به.
ومن المهم أن يربط هذا العد بفعل أو نشاط بدني أو حركي؛ كأن تقفز من السرير أو تفتح جهاز الحاسوب للبحث عن أفكار لمشروع جديد، أو ترجع لوح الشوكولاتة مكانه لرغبتك باتباع نظام غذائي أكثر صحة. عدم قيامك بأي فعل بعد العد التنازلي سيجعلك وبكل تأكيد تفشل في كل محاولة.
مع التكرار لعملية العد لنفس الأمر (كالاستيقاظ فورًا دون استخدام زر الغفوة) ستبدأ تدريجيًا عادة ممانعة والخوف من القيام بتلك الأمور بالتلاشي، بل سيصبح القيام بالعادة الإيجابية الجديدة أكثر طبيعية. المهم في هذه القاعدة الاستمرار فباللحظة التي تتوقف فيها عن القاعدة سيتوقف الأمر الذي يدفعك للبدء، وبالتالي سترجع لنقطة الصفر.
والقاعدة لا تستخدم فقط للأمور الكبيرة والمهمة فقط؛ فبإمكانك استخدامها لرفع يدك في أحد الاجتماعات لمشاركة رأيك، أو للقول "لا" للأشخاص الذين يودون تكليفك بما هو فوق طاقتك، أو حتى لوضع مطهر الجروح على جرحك. الأفكار لا نهائية ولكنها جميعها أمور تحتاج للتوقف عن القيام بها (كأن ترمي السيجارة مثلًا بعد الوصول لـ 1) أو تحتاج للبدء فيها (كأن تبدأ بالرقص في أحد الحفلات).
المصدر: