هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المشهور بسيبويه الحارثي، الفارسي. وقد ولد في مستهل العصر العباسي الأول الذي بدأ سنة 132هـ ، وهو عصر بلغ فيه المسلمون شأنا في مختلف مناحي الحياة، وبلغت فيه الدولة الاسلامية أقصى مدى في أتساعها حتى إن الخليفة هارون الرشيد كان ينظر إلى السحابة في السماء، فيقول: أمطري حيثما شئت فإن خراجك يحمل إلينا.
نهل سيبويه العلم من أكابر علماء العصر كالخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو أكبر شيوخه وحماد بن سلمة الذي أخذ عنه علوم الدين كالحديث والفقه والتفسير والعقيدة، ويونس بن حبيب الضبي البصري الذي روى عنه في أكثر من مائتي موضع في كتابه، وأبي الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر، وأبي زيد الأنصاري، صاحب النوادر، وعيسى بن عمر الثقفي، وهارون بن موسى البصري، وغيرهم. وسيبويه ممن يكاد الناس يجمعون على فضلهم والثناء عليهم، وقد أجمعوا على إمامته في النحو، فهو مرجع كل نحوي بعده بلا نزاع؛ كما أن ( رمزية سيويه ) يعد هذا اللقب رمزا أشهر من الشمس عند دارسي العربية وعلومها في كل عصر، ولعل أحدا لم يعرف به قبله، فكان هو أول من لقب بسيبويه فيما يبدو.
أما بعده فأصبح هذا اللقب رمزا يُشار به إلى كل من تبحر في علوم العربية، ونبه فيها، وعرف دقائقها، فصار خبيرا بأسرارها، متصرفا في مسائلها، لا تخفى عليه منها خافية، فسيبويه إمام العربية يُضرب به المثل في العلم بعلوم العربية ومعرفة دقائقها وتفاصيلها وأسرارها وغريبها والتصرف في أحكامها؛ فغطى أسمه على أسماء أكثر الذين سبقوه من علماء العربية، وإن كانت لهم جهود محمودة كما لهم فضل السبق. فقد صار اسم سيبويه في علوم العربية بخاصة والثقافة العربية بعامة كحاتم في الجود، وقس في الفصاحة، وإياس في الذكاء، وعمرو في الأقدام ، وأحنف في الحلم. إلى أخر من يضرب بهم المثل في الشئون المختلفة قديما وحديثا. فسيبويه هو المثل الأعلى في مجاله؛ لأنه كان أعلم أهل زمانه وما تلاه من العصور في علوم العربية، فاستحق بجدارة لقب شيخ النحاه وإمام اللغويين اجمعين. ولد سنة 148هـ - 765م في البيضاء من قرى شيراز بفارس، وتوفى 188هـ- 804م بفارس أيضا،