ما هي مقاييس اعتبار الدولة أنها من أكبر اقتصادات العالم؟
ترتبط قوة الدولة سياسياً وعسكرياً بشكل مباشر بحجم اقتصاد تلك الدولة ومدى قوته وكذلك مستوى رفاهية المواطنين في تلك الدولة لها ارتباطاً وثيقاً بحجم اقتصاد الدولة، فالدولة التي تتمتع باقتصادٍ قوي، من البديهي أن تجد لديها قوة عسكرية كبيرة، وكذلك أن يكون لها تأثيرها السياسي القوي في العالم. وأن شعبها يتمتع بمستوى رفاهية عالٍ، ولذلك فإن الدول تسعى لتنمية اقتصادها لتقوم بتحسين مستوى معيشة المواطنين، وتزيد من تأثيرها السياسي بين الدول في العالم.
ولكن كيف يتم قياس حجم اقتصاد الدول؟ وما هي المقاييس التي يمكن من خلالها أن نعتبر اقتصاد دولة من الاقتصادات الكبرى في العالم؟ تستخدم البنوك المركزية العالمية معدل النمو الاقتصادي الذي يتم الإفصاح عنه في تواريخ محددة كي تقرر تلك الدولة عن إذا ما كانت ستطبق سياسات نقدية فضفاضة لتحفيز الاقتصاد ومنع الركود أم ستتجه إلى سياسات نقدية شديدة لمنع التضخم.
بشكل مبسط يمكن اعتبار الناتج المحلي الإجمالي هو المعيار لقياس صحة الاقتصاد في لدولة، وغالباً ما يشير إلى حجم الاقتصاد فيها. لكن ما هو الـ"GDP" كما يعرف اختصاراً؟ ما هي طرق حسابه؟ الناتج المحلي الإجمالي (Gross Domestic Product – GDP) يعتبر الناتج المحلي الإجمالي هو المعيار الاقتصادي الأهم لقياس حجم الاقتصاد في دولة ما، وهو أفضل وسيلة لقياس أداء الدول، كونه يمثل القيمة الإجمالية لكل ما تنتجه الدولة خلال فترة ما، ويعرف الناتج المحلي الإجمالي بأنه إجمالي قيمة السلع والخدمات النهائية التي تنتجها الدولة خلال فترة معينة، ويقصد بالسلع والخدمات النهائية: بأنها السلع والخدمات التي تستهلك فعلياً.
أما السلع والخدمات التي تستخدم كوسيط في عملية إنتاج السلع فهي لا تحسب من ضمن الناتج المحلي الإجمالي، فلو اشترى مصنع دراجات نارية حديداً بقيمة 150 مليون دولار ليصنع دراجات وسوف يتم بيعها بقيمة «500» مليون دولار، فإن القيمة التي تدخل في حساب الناتج المحلي هو 500 مليون دولار، وليس 150 مليون دولار، التي تمثل قيمة الحديد الذي استخدم في صناعة الدراجة.
وبمعنى آخر، فإن إجمالي الناتج المحلي يمثل القيمة النقدية بالعملة المحلية للدولة لجميع السلع والخدمات الاقتصادية النهائية المنتجة داخل تلك الدولة خلال فترة زمنية محددة، سواء كانت تلك الاستثمارات محلية أو أجنبية. يضم الناتج المحلي الإجمالي الاستهلاك العام والخاص وكذلك النفقات الحكومية بالإضافة إلى الاستثمارات وتكاليف البناء المدفوعة والمخزونات الخاصة والصادرات، لكنه لا يشتمل على الواردات التي تتم داخل دولة ما.
وجرت العادة على أن يتم حساب الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي كما يمكن حسابه على أساس فصلي كذلك مثلما يحدث في الولايات المتحدة على سبيل المثال، والتي تعلن عن تقديرات الاقتصاد كل ثلاثة أشهر ثم تعلن عن الأداء السنوي في النهاية. من خلال معرفة الناتج المحلي الإجمالي يمكن احتساب الناتج المحلي للفرد، ولهذا فالرقم أهمية كبرى لأنه مؤشر مفيد لمعرفة مستوى الإنتاجية لمواطني تلك الدولة.
كما أنه مؤشر لمستوى رفاهية المواطنين، مع ملاحظة أن الناتج المحلي للفرد لن يعطي التصور الحقيقي عن إنتاجية الأفراد إذا كان اقتصاد الدولة ريعياً، حيث أن معظم دخل الدولة ناتج من سلع لا ينتجها المواطنون، وإنما يتم استخراجها وبيعها مباشرة دون أن يكون للأفراد دور مؤثر. وأيضاً من المعايير المهمة لقياس نمو الاقتصاد في الدولة هو معدل النمو معدل النمو (Growth Rate) معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي هو الزيادة المئوية في الناتج المحلي الإجمالي من ربع (3 أشهر) إلى آخر.
ويكشف معدل النمو عن كيفية تسارع أو تباطؤ اقتصاد دولة. إن الناتج المحلي للفرد يمكِّننا مع معرفة مستوى النمو الاقتصادي في دولة ما من خلال متابعة الرقم خلال ثلاثين سنة على سبيل المثال، خاصة إذا تم تصحيح الأرقام التاريخية لتعكس القوة الشرائية الحقيقية وتأخذ في الحسبان مستوى التضخم. ما هي معادلة حساب الناتج المحلي الإجمالي؟ يوجد ثلاثة طرق يمكن من خلالها تحديد الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ومع ذلك فإن نتيجة القياس واحدة ولو اختلفت طريقة الحساب.
الطريقة الأولى: طريقة نهج الإنفاق (Expenditure Approach) وهي الطريقة الشائعة وتستخدم لحساب الناتج المحلي الإجمالي والتي تعتمد على الأموال التي تنفقها المجموعات المختلفة المشاركة في الاقتصاد. ووفقاً لهذه المعادلة، فإن الناتج المحلي الإجمالي هو حاصل مجموع الاستهلاك والنفقات الحكومية والاستثمارات وصافي الصادرات. أي أن الـ"GDP" يتكون من مجموع أربعة مؤشرات وهي "C" و"G" و"I" و"NX". تشير "C" إلى "Consumption" الاستهلاك أو مجموع النفقات الخاصة للمستهلكين داخل اقتصاد الدولة، بما في ذلك السلع المعمرة (السلع التي يتوقع أن يدوم استهلاكها لأكثر من 3 سنوات) والسلع غير المعمرة (التي تتضمن الغذاء والملابس) إضافة إلى الخدمات.
أما الـ"G" أو "Total Government Expenditures" فهي تشير إلى إجمالي النفقات الحكومية بما في ذلك دخول موظفي الحكومة، وتشييد أو إصلاح الطرق فضلاً عن المدارس العامة والمعدات العسكرية. وتعني الـ"I" أو "Investments" إلى مجموع الاستثمارات في البلد التي تم إنفاقها على المعدات الرأسمالية والمخزونات والإسكان. بينما تشير "NX" أو "Net Exports" إلى صافي صادرات دولة ما أو إجمالي صادرات الدولة بعد طرح إجمالي الواردات.
الطريقة الثانية: طريقة نهج الدخل (Income Approach) وتعبر هذه المعادلة عن إجمالي الدخل الناتج عن السلع والخدمات التي تم إنتاجها. ويعني ذلك أن معادلة "GDP" هو عبارة عن مجموع إجمالي الدخل القومي "Total National Income" وضرائب المبيعات "Sales Taxes" والامتلاك "Depreciation" وصافي دخل العامل الأجنبي "Net Foreign Factor Income". ونحصل على إجمالي الدخل القومي من مجموع كافة الأجور والإيجارات والفوائد والأرباح، فيما تشير ضرائب المبيعات إلى ضريبة المستهلك التي تفرضها الحكومة على مبيعات السلع والخدمات.
أما الإهتلاك فهو عبارة عن التكلفة المخصصة للأصل الملموس خلال فترة الاستهلاك. ويعبر صافي دخل العامل الأجنبي عن الفرق بين مجموع دخول المواطنين والشركات الأجنبية مضافاً إلى مجموع الدخل الذي يحصل عليه المواطنون الأجانب والشركات محلياً.
الطريقة الثالثة: طريقة الإنتاج أو طريقة القيمة المضافة (Production or Value-Added Approach) من خلال هذه الطريقة يمكن احتساب الناتج المحلي الإجمالي عن طريق مجموع القيمة المضافة لمنتج خلال عملية الإنتاج. ومن أجل تحديد القيمة المضافة بين الشركات يتم خصم السعر الذي تم بيع المنتج من خلاله من السعر الذي تم شراؤه من المورد.
ويوجد العديد من الأنواع لقياس الناتج المحلي الإجمالي كما أنها تستخدم في مجالات عديدة:
النوع الأول: الناتج المحلي الإجمالي الاسم (Nominal GDP) يُعد هذا النوع هو القياس الذي يشمل قياس الناتج المحلي الإجمالي مع حساب التغير في أسعار السوق في الوقت الحالي.ويتضمن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي جميع التغيرات في أسعار السوق خلال العام الحالي بسبب التضخم أو الانكماش.
النوع الثاني: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (Real GDP) ويستخدم هذا النوع لمعرفة التغير في الناتج الاقتصادي من عام إلى آخر من دون تأثير التضخم. وتستخدم غالبية الدول الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من أجل محو أثر التضخم ورصد التغير الفعلي في الإنتاج بعيداً عن التغير في الأسعار. وعادةً ما يكون الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أعلى من الحقيقي وهذا الفرق الإيجابي في الناتج المحلي الاسمي يكون ناتجا بسبب التضخم.
النوع الثالث: الناتج المحلي الإجمالي للفرد (GDP Per Capita) ويُعد هذا النوع هو الطريقة المثالية لقياس رفاهية الفرد أو مستوى المعيشة في كل دولة كونه يعطي صورة أكثر دقة. ويمكن حسابه عن طريق قسمة الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما على عدد سكان تلك الدولة. وعلى الرغم من المزايا والمؤشرات التي يقدمها الناتج المحلي الإجمالي في تحديد اقتصاد الدولة إضافة إلى اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، إلا أنه لا يعكس الاقتصاد السري للدولة أو السوق السوداء كما هو متعارف عليه.
ويتضمن اقتصاد السوق السوداء الأنشطة الاقتصادية غير القانونية وبعض المعاملات القانونية التي لا تخضع إلى الالتزامات الضريبية. ولهذا لا يعتبر الناتج المحلي الإجمالي مقياساً دقيقاً لبعض المكونات التي تلعب دوراً أساسياً في الوضع الاقتصادي للدولة. أكبر 10 اقتصادات حول العالم بما أن الناتج المحلي الإجمالي هو المعيار لقياس حجم الاقتصاد في الدولة فبالتالي تكون النتيجة القدرة على تحديد قوة تلك الدولة بناءً على مؤشرات "GDP".
حيث تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول لتكون صاحبة الاقتصاد الأكبر حول العالم ثم تليها الصين فاليابان في المركزين الثاني والثالث على الترتيب.أما المرتبة الرابعة والخامسة فتأتي ألمانيا والمملكة المتحدة على التوالي، وتليهما فرنسا في المركز السادس. وتعقبها الهند على المرتبة السابعة، ثم إيطاليا في المرتبة الثامنة، لتأتي البرازيل وكندا بالمركزين التاسع والعاشر على الترتيب.