بعد موت الإنسان ينتقل إلى مرحلة الحياة البزخية ويظل فيها إلى بعثه، سواء قُبِر أو احترق أو أكلته السباع أو...
وأخبرنا الإسلام أن هذه الحياة إما نعيمٌ جزاء ما سبق وقدمه الشخص من إيمانٍ وعملٍ صالحٍ في حياته، أو عذابٌ بسبب ما كان منه من كفرٍ أو نفاقٍ أو عصيان وذنوب، فالقبر إما روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةٌ من حفر النار.
والدليل على هذا قول الله تعالى عن قوم فرعون: " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ" ( سورة غافر،الآية: 46 ) التي تشير إلى وجود عذاب لفرعون وقومه الكافرين قبل يوم القيامة هو عذاب القبر.
وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ" ( رواه البخاري)
وعن عائشة رضي اللَّه عنها: " أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ: نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " متفق عليه
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن النعيم لأهل القبور دائم لا ينقطع،
وأما عذاب القبر: فقد يكون دائماً وقد يكون منقطعاً.
دائمٌ على الكفار والمنافقين عقيدةً، وبعض كبائر الذنوب - مما ورد النصّ بديمومة عذاب فاعلها- كما في حديث أبي هريرة (في ما شاهده النبي صلى الله عليه وسلم يوم المعراج من صور عذاب أهل المعاصي) الذي فيه: " ثم أتى على قوم تُرضَخُ رؤوسهم بالصخر كلما رُضِخَتْ عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء" أي أن هذا العذاب يبقى مستمراً لا ينقطع.
والحديث الصحيح الذي يروي قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
وحديث البراء بن عازب في نعيم وعذاب القبر، حين ذكر من حال الكافر: " ثم يُفتَح له بابٌ إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة."
وعذاب القبر منقطعٌ على المؤمنين الذين لهم ذنوبٌ لا تصل للكفر والنفاق العقدي..
وذلك لأن الذنوب تختلف درجاتها، وعقوباتها المُستحقة عند الله تعالى، فالعدل الرباني يقتضي بأن يعاقب كل عاصٍ بقدر ذنبه، وربما كانت عقوبة ذنوب الشخص أقل من مدة مكوثه في البرزخ، فحينئذ ينقطع العذاب عنه مدة ولا يظل دائماً.
وقد تصيبه رحمة الله بسبب دعوةٍ صالحة أو صدقة أو استغفار، أو ثواب حج وعمرة، وغيرها من الأعمال الصالحة التي يقوم بها أحبابه وأقاربه الأحياء ويهدونه ثوابها.
وقد يكرمه الله تعالى بعفوٍ منه سبجانه بلا سبب.
فكل هذا يجعل عذاب القبر ينقطع ويتوقف عنه ولا يدوم عليه.