ما هي قفزة فيليكس وهل حطمت فعلا قوانين نيوتن

1 إجابات
profile/لين-تفاحة
لين تفاحة
مُحاضِرة إحصاء في Jo Academy (٢٠١٩-٢٠٢٠)
.
١٧ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
تصلّب ملايين البشر أمام شاشات التلفاز على مدى ساعتين وما يزيد ؛ لمشاهدة فيليكس بومغارتنر (Felix Baumgartner)  ذلك المغامر النمساوي الذي ترددت أخباره على كل لسان عندما قام بفعل خرافي يفوق الخيال، ويتجاوز قدرة العقل بقبول وتصديق صحة ما حدث عندما جازف بحياته في محاولة هي أشبه بالانتحار منها بالمغامرة، وحقق إنجازاً تاريخيا فريداً من نوعه، فلم يسبق لكائنٍ بشري حي أن تجاوز بجسمه سرعة الصوت. 

 فلم يكن معلوما قبل قفزة فيليكس قدرة استجابة الجسم البشري لتخطي سرعة الصوت البالغة نحو 1230 كم في الساعة. تمكن هذا المغامر من تجاوز سرعة الصوت في قفزة حرة هي الأعلى والأسرع والأخطر في تاريخ العالم. 

كان فيليكس يستعد للقفز من الكبسولة المكيفة الضغط بمراجعة قائمة تضم 40 إجراء من الإجراءات الوقائية للحفاظ على سلامته بمساعدة المشرف على المشروع جو كيتسنجر وفي الوقت ذاته كانت والدته ووالده يشاهدونه عبر الشاشات بأعين تذرف الدموع. 

تحَمَّل فيليكس بهذه المغامرة الانخفاض الهائل في الضغط الجوي، وبرودة كبيرة بلغت تسع درجات تحت الصفر؛  لتبقى هذه المغامرة نقطة بارزة في تاريخ البشرية وخيال علمي جديد تحقق على يديه. 

تأجلت رحلت فيليكس مراراً إلى أن انطلقت يوم الأحد في الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2012 في مناخٍ مؤاتٍ، واستغرقت رحلة الصعود نحو ساعتين ونصف الساعة فبلغ ارتفاع المنطاد ولأول مرة رقماً قياسيا من ارتفاع 39 كم ضمن طبقة الستراتوسفير التي يصل سقفها يصل إلى 50 كم، وهي الطبقة التي تلي طبقة التروبوسفير التي نعيش فيها، وتنخفض درجة الحرارة والضغط الجوي بشكل كبير في هذه الطبقة. 

ومما يجب علينا معرفته أن هذه الطبقة تعتبر ضمن حدود الجاذبية الأرضية ولهذا السبب وقع السقوط الحر باتجاه الأرض ولو لم تكن ضمن نطاق الجاذبية لسبح فليكس بعيداً في الفضاء. 

حيث حقّق فيليكس قفزته الحرة على مدى أربع دقائق و20 ثانية قبل أن يفتح مظلته ؛ ليحطم الرقمين القياسيين لأعلى ارتفاع يصل إليه بالون مأهول وأعلى ارتفاع للقفز الحر بالمظلة. 
بعد نحو عشر دقائق من بداية القفز هبط  بسلام على الأرض رافعا ذراعيه في إشارة للنصر. 
 
ولكن حطمت قفزة فيليكس قوانين نيوتن؟
لإجابة هذا السؤال علينا أن نضع أنفسنا مكان فيليكس ونلاحظ الظروف التي سنمر بها لو قفزنا من الفضاء إلى الأرض. 
والآن عندما نخرج إلى الفضاء كما خرج فيليكس من الكبسولة ونقفز سوف يتسارع جسمنا لمدة 30 ثانية قبل أن نصل إلى السرعة النهائية ، وللقفز في الهواء توجد حالتان: 
·       الحالة الأولى : يتسارع جسمنا لمدة ومن ثم عند سرعة معينة (السرعة النهائية) تتساوى قوة مقاومة الهواء لجسمنا الساقط مع قوة الجاذبية وهما متعاكستان في الاتجاه ولهذا يتوقف جسمنا عن التسارع ؛ ويعود سبب ذلك إلى تصادم جسمنا مع جزيئات الهواء. 
 ( وهذه الحالة تتفق مع قانون نيوتن للسقوط الحر) 
·       الحالة الثانية (الحالة التي حدثت في قفزة فيليكس) : يتسارع فيها جسمنا لمدة 30 ثانية ولكن نحن الآن ننتقل من ارتفاع عال جدا من طبقة الستراتوسفير إلى طبقة الترابوسفير. 
أي ننتقل من مقاومة هواء ضعيفة ( الستراتوسفير) إلى مقاومة هواء كبيرة( الترابوسفير)؛ فيحدث تغير في مقاومة الهواء ؛ فتتناقص السرعة النهائية التي يمكن أن نصل إليها كلما قل ارتفاعنا ولن تكون هناك سرعة نهائية ثابتة نصل إليها. ويقل ارتفاعنا إلى أن نصل للارتفاع الذي تثبت فيه مقاومة الهواء وسنكمل مشوارنا في القفزة كسقوط حر عادي. 
فقد مرّ فيليكس أثناء قفزته بحالتين: الأولى عندما لم يطبق الشروط التي وضعها نيوتن لقانونه السقوط الحر حيث مقاومة الهواء متغيرة وتعا لذلك لم يحقق قانون نيوتن، والحالة الثانية عندما انطبقت عليه شروط السقوط الحر لقانون نيوتن حيث مقاومة الهواء ثابتة فحقق قانون نيوتن. 

إذن قانون نيوتن لم يتغير ولا الفيزياء تغيّرت، ولكن ما تغيّر هو الظروف التي مرّ بها فيليكس، وهناك ظروف تحقق قانون نيوتن وظروف لا تحقق قانون نيوتن. 
 
ومما أعتقد أنك تود معرفته هو الفائدة العلمية لهذه القفزة والتي تتمثّل بما يلي: 
·       أنها ستساهم في تطوير أنظمة الباراشوت والقفز المظلي 
·       ستوفر إجراء مثالي لهروب رواد الفضاء في حال احتراق مركباتهم وهذه نقطة مهمة 
·       ستساعد في تقديم تفسير للآثار التي يتعرض لها الجسم البشري تحت سرعات عالية تلامس سرعة الصوت 
 
وفي النهاية علينا تأكيد حقيقة أن قوانين نيوتن ونتائجها كالسقوط الحر ثابتة ؛ فالقفزة زادت من ثقة العلماء بها. كل ما في الأمر هو تغير الظروف عن الظروف المعتادة، لكن المحصلة واحدة.
 
  المراجع :