أعتدت في الصباح أن استيقظ على رائحة القهوة وهجس الأصوات الخفية خارج نافذتي، وما تلبث تغريدات العصافير بالانطلاق في السماء إلا وصوت من الجنة يحرك مشاعري، و يأخذني الى عالم الصباح بكل تفاصيله لأنتقل من عتمة ليلتي إلى ضوء الشمس المشرقة، يحادثني صوت أنين الناي في الموسيقى، و يسمعني صدى صوت ايقاعات ويقول "أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود"، ويعاتب سهر عيوني ويقول “أمس انتهينا فلا كنا ولا كان يا صاحب الوعد خلى الوعد نسيانا طاف النعاس على ماضيك وارتحلت حدائق العمر بكياً فاهدأ الآن”، تتنهد روحي و تصافح بداية جديدة تحمل في طياتها الأمل.
يأتي المساء وضوء القمر يسطع من نافذتي ونسمات الصيف تلاعب شعري، تبدأ الأصوات تتصاعد من غرفة المعيشة في بيتنا فيهدأ الضجيج حولي فجأة، و يعم الهدوء الإرجاء، ليسود الصمت وتتخلل نغمات موسيقى أغنيات أم كلثوم، لتعبر عن جوهرها، وتدعوني للإبحار في إيقاعات صوتها، وكأنها ترمي مرساتها في قلب كل شخص وصل إلى أذنيه سمفونية صوتها.
بتلك الكلمات يمكنني أن أصف جزء من تصوري عن الموسيقى، لذا يمكنني أن أصفها بأنها تأتي في المرتبة الثانية بعدَ الصمت حينَ يتعلقُ الأمرُ بما لا يوصَف، الصمت الذي يتخلل روحك بين ضجيج العالم، الذي يدفعك للبحث عن لغة تشرح صمتك الطويل و تلامس روحك، ولعل الموسيقى هي السبيل الذي يتبعه صمتي ليتكلم مع الواقع.
الموسيقى بالنسبة لي هي لغة تعبر عن ما تريد روحك وصفه، فهي مرتبطة بالمواقف، والأحداث التي تلامس روحك إما أن تكون مثل لمسات الغيث تحيي فؤادك أو أنها كالمطر تضرب جروح نفسك.
لذلك اظن ان الموسيقى المفضلة لدي ترتبط بموقف او ذكرى تركت بداخلي اثراً ينبض كل ما استمعت لألحان نغماتها، ولعل الموسيقى الكلاسيكية أو الموسيقى التي تحمل بداخلها إيقاع الأشعار و القصائد هي التي تملك مفاتيح القلوب، و تلامس ارواح المستمعين إليها وتأخذهم الى عالم تملئه الذكريات هي من تأسر روحي و تجعلني أتنقل بين نغمات كلماتها و شجن معانيها التي تحمل بين طياتها مشاعر و حكايا مدفونه بين نغمات انين الموسيقى و الحان تعابيرها.
إن الموسيقى لغة تأتي بعد الصمت عندما لا نستطيع التعبير عن أرواحنا، تأتي لتجعل من يعزف عليها يأن بألحانها و يبكي بين نغمات أوتارها ليصب كل أحاسيسه في مقطع يجعل من يسمعه يغوص في عالم روح الفنان وما يحمله من حكايا مدفونة بين طيات الذكريات.