قد يكون تعريف المسؤوليات العامة تعريفًا واسع النطاق. وقد تختلط المسؤوليات العامة بين الأفراد تبعًا لفهمهم وشخصنتهم لماهية المسؤوليات العامة. وهنا أتساءل: بأي منظور نرى هذه المسؤوليات العامة؟ هل المقصود هنا مسؤوليتنا تجاه الكوكب؟ أم تجاه الوطن؟ أم تجاه مكان العمل؟. هل تتفق المسؤوليات العامة بين دساتير الدول المختلفة؟ هل هناك مرسوم أو قانون عالمي يحدد ما هي المسؤوليات العامة؟
عندما بحثت عن مفهوم المسؤوليات العامة وجدت العديد من التعاريف التي تشملها. فالمسؤولية اصطلاحًا هي حالة أو صفة يلتزم بها الشخص بأداء ما هو عليه طبقًا لما هو محدد. أما أخلاقيًّا فو التزام الشخص بما يقوله أو يعمله. وقانونًا هو التزام الشخص بأن يصلح ما تم إيقاعه بالخطأ على غيره (ليس بالضرورة أن يكون كائن حي) بما تمليه عليه القوانين الموضوعة. أو حالة يكون للإنسان القدرة على إلزامية وتحمل تبعية أعماله المختلفة. تعني المسؤولية أنه يجب على الشخص أن يبرر الإجراءات، وعواقب الإجراءات، والمواقف، والمهام، وما إلى ذلك أمام المرسل إليه وفقًا للمعايير والقواعد، وما إلى ذلك. تم اشتقاق كلمة المسؤولية من الكلمة اللاتينية "Responsabilis". تشير المسؤولية إلى القدرة على التصرف بناءً على إرادة الفرد دون أي إشراف بحيث يكون الشخص المسؤول مسؤولاً عن أفعاله، وتحت ظروف محددة أيضًا عن الإجراءات التي يقوم بها الآخرون الذين يكون هو أو هي مسؤولاً عنها. فالآباء، على سبيل المثال، مسؤولون عن أطفالهم الصغار عن خطأ معين ارتكبه هؤلاء. مفهوم المسؤولية يبني الواقع الاجتماعي (للقواعد)، والسلوك الاجتماعي والعلاقات. يمكن للمرء أن يفرق بين حاملي المسؤولية النموذجيين من حيث الأدوار النشطة وأدوار المراقب. ينسب المرء أو يعزو مسؤولية محددة إلى نفسه كممثل أو للآخرين من منظور مشارك أو مراقب أو عالم، فيما يتعلق بالقواعد والمعايير التي تنطبق على الفرد. تكمن المسؤولية في تفسير الذات بقدر ما تكمن في تفسير أفعال الآخرين.
من الأمثلة على المسؤوليات:
* المسؤولية الاجتماعية:
تشير المسؤولية الاجتماعية إلى المسؤوليات التي يؤديها كل فرد من أفراد المجتمع الذين لديهم الدافع لإفادة المجتمع بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال: التبرع بالدم، والعمل في دور الأيتام أو ملاجئ الحيوانات هي بعض المسؤوليات الاجتماعية للفرد.
* مسؤولية الشركات:
تشير مسؤولية الشركات إلى مبادرة قطاع الشركات للمساهمة في تحقيق الأهداف المجتمعية. بعض مسؤوليات قطاع الشركات تشمل تقديم شركة لبعض أرباحها لصالح المجتمع أو للجمعيات الخيرية أو للقيام بمبادرات لصالح البيئة إما عن طريق غرس الأشجار أو عن طريق الحد من هدر الموارد.
* المسؤولية الشخصية:
تشير المسؤولية الشخصية إلى ما يؤديه الفرد القادر والراغب في تحقيق المسؤوليات الموكلة إليه. يعتبر الفرد الذي يتمتع بمستويات عالية من الأخلاق شخصًا يتمتع بمستوى عالٍ من المسؤولية الشخصية. على سبيل المثال: أن نكون صادقين، أن نكون مسئولين عن عمل الفرد، أن نكون مسئولين عن حل خلافاتنا مع الآخرين هي بعض من المسؤوليات الشخصية للفرد.
* المسؤولية الائتمانية:
هي الالتزام الاجتماعي للمؤسسة للتصرف حسب عملائها. الأفراد الذين لديهم مسؤوليات ائتمانية هم السماسرة، وحملة الأسهم، والمصرفيون، إلخ. بعض المسؤوليات الائتمانية هي أن السماسرة أو المصرفيين يتم منحهم درجة عالية من الثقة في إدارة الشؤون المالية الشخصية لعملائهم.
* المسؤولية المالية:
هي مسؤولية الفرد في إدارة أموره المادية ومسؤولية الحكومة باستخدام الضرائب التي يدفعها مواطنو الدولة بشكل صحيح ووضع خطط مالية جيدة للمستقبل من خلال تخفيض الديون. ومن ثم يجب على الحكومة إنفاق أموال الاقتصاد بحكمة.
عندما يميز المرء بين المسؤولية العامة عن نتائج عمل ما من نوع دور - مسؤولية ومهمة - مسؤولية، ومن مسؤولية قانونية وأخلاقية، يصبح الجانب الثاني من التفسير واضحًا: المسؤولية عن نتيجة فعل ما في يُنظر إليه لأول مرة على أنه تقسيم رسمي فائق التخطيط؛ يجب أن يكون مرتبطًا، من خلال المواصفات السياقية للمهام أو الأدوار أو من خلال التفسير الأخلاقي أو القانوني (العالمي) بالمجال المناسب للقيم والمعايير الجوهرية. عندها فقط يمكن فهم محتواها ومعناها.
من شأن الأنواع المميزة للمسؤولية أن تنظم الواقع الاجتماعي، أي الواقع المعياري، بطرق مختلفة. لها آثار هيكلية محددة في السياق أي الإنتاج الهيكلي، أو النتائج المفترضة أو الضمنية (التحليلية) للنظرية أو المفهوم الأساسي.
تعتبر المسؤولية من وجهة نظر علم النفس هي أهم خاصية للفرد، فهي ترتبط مباشرة بكافة مجالات علم النفس. فهو يتعلق بدراسة الشخصية وعملياتها الإدراكية والتربية الأخلاقية. يمكن فهم المسؤولية على إمكانية ممارستها بأشكال مختلفة السيطرة على أنشطة الفرد من خلال الوفاء بالقواعد والمعايير المقبولة. ولمساءلة الموضوع، هناك أشكال تتحكم خارجية تضمن نتائج أنشطته مثل العقوبة والمساءلة، كما هناك أشكال داخلية للتنظيم الداخلي للأنشطة منها الإحساس بالمسؤولية والشعور بالواجب. وفي القرن التاسع عشر تم ربط المسؤولية بالعقاب أو العقوبة. كما تم تحديد معايير السلوك المقبول، وطرق ووسائل رفع الموقف ذي المسؤولية تجاه الأنشطة التي يمكن اعتبارها اجتماعيًّا، مع تحديد آليات التكوين للمسؤولية.
يتم الإشارة للمسؤولية إلى موضوع معين، وتعكس المهام والمسؤوليات للفرد أي حدود الواجب التي تكون تجاه شخص ما وضميره. قد تكون المسؤولية فردية ذاتية، أو مجتمعية عامة. تتنوع المسؤوليات، فمنها ما يعد عامًا ويشتمل على المسؤولية العامة السياسية والأخلاقية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.
حتى نحدد الوعي بمسؤولية الفرد تجاه نفسه أو غيره أو مجتمعه علينا التفكر بعدة عوامل منها عوامل معرفية، تحفيزية، مميزة، ظرفية وغيرها. من خلال تطوير الخص لمفهوم المسؤولية ستظهر الرقابة الداخلية التي تجعل الفرد مسؤولًا بالدرجة الأولى أمام نفسه وليس بالضرورة أمام سلطة خارجية. هذه الرقابة مهمة حتى يتم تنظيم الحياة الفردية والاجتماعية والمجتمعية.
لقد تقابل مفهوم المسؤولية العامة مع ما نقوم به تجاه المجتمع والدولة والكوكب من وجهة نظر الأديان، فكلنا راعون ومسؤولون، وكلنا علينا واجبات تجاه عغيرنا والمجتمع والدولة والكوكب. إنّ تقديم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية هي من ضمن المسؤولية العامة الاجتماعية، لتقوية العلاقات الإنسانية، وتنظيمها ضمن أسس واضحة. فالفرد مسؤول عن نفسه ثم عمن يعول ثم عن الجماعة. والجماعة مسؤولة عن الأفراد والأهداف التي تضعها سواء كان ذلك من منطلق مجتمعي أو دولي أو كوكبي بحيث نتجاوز الشكليات ونحقق قدسية الواجبات.
عندما نفكر في المسؤوليات العامة نجد أنها تدور في عدة حلقات بحيث يجب أن يكون الفرد أو الجماعة على استعداد لتحمل النتائج المترتبة على الأفعال أو القرارات المتخذة في هذا الصدد، والتي قد تكون إيجابية أو سلبية. فمنها ما يتحقق ضمن إطار الأسرة الصغيرة؛ فالوالد مسؤول عن عائلته واتخاذ القرارات الصحيحة بالتشاور مع أفراد أسرته. كما أن اهتمام الإنسان بذاته، واهتمامه بأفراد أسرته، والقيام بالواجبات المنوطة به وفق عمره وقدرته هو ضمن المسؤوليات التي تُعهد إليه. والطالب مسؤول عن علمه ويقرر ما إذا أراد التفوق وسعى له أم لا فهذه مسؤوليته. ليرتفع مستوى المسؤولية العامة لتتضمن المسؤولية تجاه القوانين، فعلى الجميع واجبات تجاه تلك القوانين، لكن هناك من هو مسؤول عن مراقبة تنفيذها ومساعدة الأفراد والمؤسسات في ذلك. ومن ضمنها مسؤولية الحفاظ على البيئة، والعناية بالمرافق العامة، والتصويت، وتقديم الخدمات الاجتماعية، والتطوع.
المصادر: