بالنسبة لي أعتز وأقدر كثيرًا التعليم العسكري للجنسين، خاصة أن هذا التعليم يعتمد منهجية وفلسفة ترتقي بالطالب، وترفع الثوابت الوطنية العربية والمجتمعية من خلال دعم المبادئ العسكرية التي تنمي حس الإيمان والثقة بالقيادات، والتواصل مع المجتمع المحلي، والمساهمة الفاعلة في بناء ودعم الوطن لتحقيق الأهداف التنموية الوطنية الشاملة. كما أن التعليم تحت المظلة العسكرية ذات العراقة والتاريخ والقيمة يشكل الأنموذج الذي يحتذى به، بحيث تنصهر استراتيجيات المدارس العسكرية مع استراتيجيات وزارات التربية والتعليم المختلفة، بحيث تنسجم مع بعضها البعض، لتصب بوتقتها في مصلحة الطالب الذي هو محور العملية التعليمية ومرتكزها الأساسي، مما يحقق الأهداف المرجوة لتوفير مناخ تربوي آمن مستمد من الثقافة العربية، العسكرية والتربوية والمجتمعية.
وبالرغم من أن تجنيد النساء العربيات غير شائع في الجيوش حتى على مستوى الأدوار الإدارية لا القتالية؛ بسبب السجالات السياسية والاجتماعية، إلا أن بعض الدول العربية قد ارتأت اعتماد المدارس العسكرية للإناث كجزء من المنظومة التربوية، وكقسم من النسيج التربوي الواسع الذي يشمل المدارس العامة والخاصة. كان لهذه الدول نظرة مستقبلية لرسم وتأطير الشخصية الوطنية من خلال إعداد شباب واعٍ واعد منتمٍ لوطنه وموالٍ لقياداته.
ومن هذه الدول التي اهتمت بهذا النوع من المدارس الجزائر، وهي الدولة العربية الوحيدة التي عمدت إلى ترقية المرأة إلى مراتب أعلى في الجيش، منذ حرب الاستقلال (1954-1962)، مع التشديد على تحقيق الاندماج الجندري في قواتها المسلحة بالرغم من الصعوبات الذي يواجهها هذا الاندماج.
وفي عام 2006، تم إصدار مرسوم رئاسي ساوى بين مكانة الإناث والذكور من الناحية القانونية في الحقوق، والواجبات، والتدريب، والترقية، والتجنيد. وقبلها في العام الدراسي 2002-2003، تم قبول الإناث في المدرسة العليا للدرك الوطني في مدينة يسر في ولاية بومرداس. حيث كان عددهن 18 طالبة فقط. كما التحقن بمدرسة أشبال الأمة المرموقة في محافظة وهران، ليشكّلن ما نسبته 18% من مجموع المجندين. حيث تتبع هذه المدارس وزارة الدفاع الوطني، ليتم توزيعها على مختلف المناطق في الجزائر. منها ثلاثة لطلاب الطور الثانوي مفتوحة للإناث أيضًا وسبعة أخرى للطور المتوسط (ما بعد الابتدائي) وتقتصر على الذكور فقط.
يوضح مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة في جنيف، توفيق جوامع، "أن هذه المدارس متاحة للبنات كما للذكور، الذين أتموا سن الـ 12، ليحصلوا على تكوين عسكري وبشهادة بكالوريا، ويتم السماح لهم بالالتحاق بالجامعات". "وهذه المدارس في حقيقة الأمر نصف مدنية ونصف عسكرية، ويسمح لأي تلميذ فيها بالمغادرة في حال قررت أسرته ذلك". كما أن هذه المدارس تُعنى بالتربية العسكرية وفق المراحل النمائية للطفل، ومراعاة تطويرهم. حيث أشار جوامع إلى أنّ الأطفال المنتسبين “لا يخضعون للنظام العسكري أو الالتزامات العسكرية، وتتم مراعاة متطلبات طفولتهم”. أي أنها تطابق وتوافق القوانين والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال ومنع تجنيد القصر.
أما في الجمهورية العربية المصرية، فتتنوع المدارس العسكرية التي يلتحق بها الطلبة على اختلاف أعمارهم ومنها:
1. المدارس الفنية الأساسية العسكرية: حيث تقبل كل من أنهى الشهادة الابتدائية وفق شروط وزارة الدفاع. حيث تكون مدة الدراسة بنظام المدرسة الداخلية ذاتي المبيت، ولمدة ثلاث سنوات، ليحصل خريجيها على شهادة إتمامه للدراسة الفنية الأساسية العسكرية المعتمدة من إدارة التعليم والتدريب المهني للقوات المسلحة، وأيضًا يحصل على الشهادة الإعدادية العامة ليتعين كصانع عسكري في القوات المسلحة، ليحصل على الترقية بعد سنوات لدرجة ملاحظ فني عسكري. كما يمكن لخريجيها استكمال الثانوية بمدارس التحرير للقوات المسلحة أو بنظام الانتساب بالمدارس الثانوية العامة. وهذه المدارس مختصة بالبنين فقط.
2. المدارس العسكرية الجوية: يتقدم لها من أنهى الشهادة الإعدادية للالتحاق إما بقسم المبيت الداخلي أو القسم الخارجي ووفق شروط وزارة الدفاع. حيث يتم تدريب هؤلاء الطلبة في الصف الثاني الثانوي على جهاز محاكاة الطائرات، أما طلاب الثالث الثانوي فيتدربون فعليًّا على ركوب طائرات تدريب خفيفة للتأهل للالتحاق بالكلية العسكرية الجوية.
3. المدارس العسكرية الثانوية التمريضية: يتقدم لها من حصل/ حصلت على الشهادة الإعدادية الأزهرية أو العامة. وتكون الدراسة بها لثلاث سنوات للحصول على الثانوية العسكرية التمريضية. على الطالب/الطالبة استكمال سنتين تدريبيتين في التمريض العملي والسريري لإتمام متطلبات الدراسة. هذه المدارس للذكور في منطقة كوبري (جسر) القبة، وللإناث في مناطق المعادي، وسوهاج، والإسكندرية، والمركز الطبي العالمي بمدينة القاهرة والإسماعيلية.
4. المدارس العسكرية الرياضية: تقع بالعديد من المحافظات، منها القاهرة، والإسكندرية، والإسماعيلية، والمنيا، وأسيوط. وتقبل فقط الطلبة الذكور الموهوبين رياضيًّا. تبدأ الدراسة من المرحلة الابتدائية وحتى الصف الخامس بنظام اليوم الدراسي الكامل، ثم مبيت الطالب بمنزله. أما طلاب الصفوف الأعلى يتم المبيت في المدرسة وتقضية الإجازات في منزل الطالب.
5. المدارس العسكرية الفنية: وهي متاحة للذكور والإناث: توجد هذه المدارس في العديد من المناطق منها القاهرة، الإسماعيلية، المنيا، السويس، الإسكندرية، أسيوط. حيث تحدد هذه المدارس في كل عام شروط القبول للطالبات الحاصلات على الشهادة الإعدادية أو الإعدادية الأزهرية.
أما في المملكة الأردنية الهاشمية، فيوجد حوالي 42 مدرسة عسكرية من الصف الأول الأساسي، وحتى المرحلة الثانوية. عندما يُنهي الطالب أو الطالبة دراستهم، يمكنهم الالتحاق بالقسم العسكري في جامعة مؤتة، أو المعاهد العسكرية المختلفة في أنحاء المملكة.
حيث تقوم مديرية الثقافة العسكرية بالإشراف على هذه المدارس، وتنفذ السياسات التعليمية التي تضعها وزارة التربية والتعليم. بالإضافة إلى بلورة الشخصية العسكرية القيادية من خلال الثقافة العسكرية ودعم قيم الجندية والشرف العسكري والجوانب النفسية للفرد الطالب. مع تفعيل دور المجتمع المحلي والقوات المسلحة الأردنية لرفع القيم المجتمعية وتعزيز عملية التعليم والتعلم.
أما في المغرب، فتنتشر المدارس الثانوية العسكرية في كل من إفران، والقنيطرة. حيث تختص مدارس إفران بكونها تقبل المرشحات الإناث بعد إنهائهن شهادة الصف السادس الابتدائي، لتبدأ الطالبة بها التعليم العسكري للصف الأول الإعدادي وتنتهي بحصولها على شهادة الثانوية العامة بمسلك العلوم التجريبية خيار فرنسية أوالجذوع المشتركة خيار الفرنسية (علمي أو أدبي)، أو العلوم الرياضية خيار فرنسية، أو الآداب وعلوم إنسانية خيار فرنسية، أو علوم اقتصادية وتدبير.
أما في منطقة الصحراء الغربية فقد أشرف العام لجبهة البوليساريو عام 2018 على افتتاح المدرسة العسكرية الثانوية للإناث، والتي أطلق عليها اسم: مدرسة الشهيدة الزعرة حمدي محمد عبد الرحمن، إيمانًا منه بأهمية التعليم العسكري للمرأة الصحراوية البوليسارية.
أما في الإمارات، فبدأت الخطوات نحو التوجه للتعليم العسكري من خلال افتتاح مدرسة خولة بنت الأزور، لأي تخصص كان شريطة بلوغها الثامنة عشرة من عمرها ولا تتجاوز الثلاثين، وبموافقة خطية من ولي أمرها. يتم التدريب لسنة كاملة تدريبًا رياضيًا وعسكريًا. هذه المدرسة هي أول مدرسة عسكرية لتدريب الإناث على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بأجمعها، لتدريب الإناث ضمن كوادر القوات المسلحة. هذه خطوة أولى نحو تحويل بعض المدارس الثانوية والإعدادية الاعتيادية لمدارس عسكرية في المستقبل القريب.