يمكن أن يلتمس لهذا الحكم الثابت بالأحاديث الصحيحة عدة حكم منها:
أولاً: صيانة الجزيرة العربية عامة والحجاز خاصة التي من ضمنها مكة المكرمة والمدينة المنورة من إقامة المشركين وظهور شعائرهم فيها، وضمان بقائها خالصة للمسلمين باعتبارها محضن الإسلام ومركزه الأساسي وفيها الكعبة المشرفة زادها الله تشريفاً وتعظيماً ومسجد النبي وقبره عليه الصلاة والسلام، فلهذه البقاع من الخصوصية الدينية ما ليس لغيرها، والكفر فيه نجاسة معنوية لذلك صان الله هذه البقاع المطهرة عن نجاسة المشركين.
قال الله تعالى في سرة التوبة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)"
فهذه البقاع بعد أن طهرها الله من نجاسة الوثنية أراد سبحانه صيانتها من كل أنواع الشرك لتبقى مركزاً للإسلام وموئلاً خاصاً به إلى قيام الساعة.
كما أن عند أهل الأديان الأخرى تجد بعض البقاع لها خصوصيتها، فالفايتكان مثلاً مركز النصرانية في العالم ولا يسمح ببناء مساجد في تلك المدينة
الثانية: أن في ظهور شعائر الكفر وإقامتهم في هذه البقاع وخاصة مكة والمدينة ذلاً لأهلا الإسلام بأن يكون بجانب الكعبة المشرفة أو مسجد النبي وقبره من يشرك بالله ويعبد غيره.
الثالثة: أن في ذلك حماية لهذه البقاع من تآمر الكفار ومكائدهم ودسائسهم وبقاء هذه البقاع محفوظة منهم، فسقوط هذه البقاع لا قدر الله بأيديهم واحتلالهم لها ليس كاحتلالهم لأي أرض وإفسادهم فيها ليس كإفسادهم في أي أرض.
وقد ذكر في التاريخ أن الكفار حاولا سرقة جثمان نبينا عليه الصلاة والسلام عن طريق رجلين من النصارى تزيوا بزي المسلمين وسكنوا المدينة وحاولوا حفر خندق إلى قبر الرسول لأسرقه جسده الشريف، لكن الله صان جسده عن ذلك بأن ألهم أحد الأمراء في ذلك الزمن وأراه رؤيا كشف مخطط أولئك الخبثاء فقبض عليهم وقتلهم.
فكيف لو سمح لهم السكنى والإقامة علانية في هذه البقاع ومكنوا من ذلك!
وقد اختلف العلماء في المنطقة التي يحرم إقامة الكفار وسكناهم فيها هل هي كامل الجزيرة العربية أم الحجاز خاصة؟
وذلك أن بعض الأحاديث جاء فيها الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وبعضها بلفظ الحجاز، فبعض العلماء حمل المطلق على المقيد، وبعضهم قال بل الحكم عام في كل الجزيرة العربية وتخصيص بعضه بالحكم ليس من التقييد.
وهذا الحكم ثابت بالإجماع غير منسوخ لأنه كان من وصايا نبينا قبل موته كما جاء في صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما)، فمات عليه السلام قبل أن يخرجهم ثم أخرجهم عمر.
أما سؤالك: وهل هذا الحكم مطبق الآن؟
فالجواب: لا، والله المستعان.