هذا السؤال ذو شقين:
الشق الأول من السؤال: متى ظهر علم التجويد؟
أول ظهور لعلم التجويد (كعلم نظري) كان في العصر الثالث الهجري.
- وقيل: إن الذي وضعه هو الخليل بن أحمد الفراهيدي.
-وقيل: إن الذي وضعه أبو الأسود الدؤلي.
- وقيل: إن الذي وضعه: أبو عُبَيد القاسم بن سلاَّم.
- وكان السبب في وضعه كثرة الفتوحات الإسلامية، واختلط اللسان الأعجمي باللسان العربي، وفشا اللحن على الألسنة، فخشي ولاة المسلمين أن يُفضي ذلك إلى التحريف في كتاب الله - تعالى - فعَمِلوا على تلافي ذلك، وإزالة أسبابه، وأحدثوا من الوسائل ما يكفل صيانة كتاب الله - تعالى - من اللحن، فأحدثوا فيه النقط والتشكيل، بعد أن كان المصحف العثماني خاليًا منهما، ثم وضعوا قواعد التجويد حتى يلتزم كل قارئ بها عندما يتلو شيئًا من كتاب الله - تعالى. -
ويعتبر (أبو مزاحم الخاقاني المتوفَّى سنة: 325 هـ) هو أول من ألف قصيدة مكونة من واحد وخمسين بيتاً يتحدث فيها عن علم التجويد، وكان ذلك في أواخر القرن الثالث الهجري، ألف قصيدة رائية مكوَّنة من واحد وخمسين بيتًا - وهي تعتبر أقدم نظمٍ في علم التجويد - ذكر فيها عددًا من موضوعات التجويد، وكان لها أثر في جهود العلماء اللاحقين من خلال استشهادهم بأبياتها، أو شرحهم لمعانيها، أو اقتباسهم منها.
- وكان أول من كتب في علم التجويد كتباً مستقلة هما:
أولاً: هو الإمام أبو الخير محمد بن محمد الجزري في كتابه "التمهيد في علم التجويد"
ثانياً: الإمام أبو العبيد القاسم بن سلام في القرن الثالث الهجري "كتاب القراءات" وهو كتاب يجمع القاعد المستخلصة من تتبع قراءة السابقين المتقنين وكان هذا في القرن الثالث هجري.
- أما الشق الثاني من السؤال: وهو هل كان التجويد موجوداً في عصر النبي صلى الله عليه وسلم؟
نعم فقد كان موجوداً كتطبيق عملي في قواعد التلاوة وليس كعلم نظري، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل من قرأ كتاب الله تعالى مجوداً حيث أخذه من خلال التلقين والعرض من جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) {القيامة: 18}.
- قال ابن كثير في التفسير: أي: إذا تلاه عليك الملك عن الله (فاتبع قرآنه) أي: فاستمع له، ثم اقرأه كما أقرأك".
- ثم أخذوه الصحابة رضوان الله عليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أفضل البشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن الكريم وفق مخارجه وصفاته وتجويده. وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرؤه على أصحابه؛ يمد الحروف، ويحسنها، حتى قالت حفصة: كان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. أخرجه مسلم، وغيره.
- ولذلك ورد في الحديث الصحيح عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها" الحديث رواه الطبراني، وغيره، وتكلم بعض أهل العلم في سنده، ولكن العمل عليه.
-قال ابن الجزري في المقدمة:
ويقرأ القرآن بالتّحقيق معْ * حَدْرِ وتدْوير وكلّ متّبعْ.
مع حسن صوت بلحون العربِ * مرتّلا مجوّدا بالعربي.
- ومما جاء في شرح طيبة النشر للنويري: "قال الداني: والفتح والإمالة: لغتان مشهورتان على ألسنة العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلغتهم. والفتح: لغة الحجازيين، والإمالة: لغة عامة أهل نجد من تميم، وأسد، وقيس".
- وحكم تعلم علم التجويد (نظرياً) فرض كفاية على المسلمين.
- بينما حكم تطبيقه أثناء التلاوة (عملياً) واجب على كل مسلم ومسلمة.
- وعليه: فإنه لا خلاف في أن الاشتغال بعلم التجويد فرض كفاية، أما العمل به، فقد ذهب المتقدمون من علماء القراءات والتجويد إلى أن الأخذ بجميع أصول التجويد واجب يأثم تاركه. لقول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {سورة المزمل: 4}.