الأعمال التي تطرح البركة في الرزق يجمعها ( تقوى الله ) بامتثال أمره واجتناب نواهيه فمن اتقى الله أعطاه الله وبارك له في نفسه ورزقه وأهله .
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف:96].
وقال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3]
قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ( إِنَّ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الوَجْهِ، وَنُورًا فِي القَلْبِ، وَسِعَةً فِي الرِّزقِ، وَقُوَةً فِي البَدَنِ، وَمَحَبةً فِي قُلُوبِ الخَلقِ، وَإِنَّ لِلْسَيِّئَةِ سَوَادًا فِي الوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي القَلْبِ، وَوَهَنًا فِي البَدنِ، وَنَقْصًا فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضًا فِي قُلُوبِ الخَلْقِ ) .
فالطاعة تجلب البركة والمعصية تجلب المحق والخسران .
ومن الطاعات التي وردت النصوص الشرعية أنها سبب في البركة في الرزق :
1. الصدق في التجارة والبيع والشراء وعدم الكذب والتدليس :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " (متفق عليه).
وفي الحديث الآخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله : " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ، فإذا خان خرجت من بينهما " (رواه أبو داود )
قال المناوي في فيض القدير في بان معنى هذا الحديث : " بالمعونة وحصول البركة والنماء ( ما لم يخن أحدهما صاحبه ) بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة (فإذا خانه) بذلك (خَرَجْتُ من بينهما) يعني نزعت البركة من مالهما "
2.البكور في العمل والتجارة : يعني مبادرتها من الصباح وعدم التأخر في النزول إلى السوق ومباشرة العمل .
عن صخر الغامدي رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللّهُمَّ بارِكْ لأمَّتِي في بكورهم " قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أوّل النهار ، وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان لا يبعث غلمانه إلا من أوّل النهار ، فكثر ماله حتى كان لا يدري أين يضع ماله " (أخرجه أحمد والترمذي وحسنه ) .
3. بر الوالدين وصلة الرحم :
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " ( متفق عليه ).
4.نية العبد أن يكون انتفاعه بالدنيا للتقوي على طاعة ربه ونفع دينه وأن ينوي الحلال والامتثال في عمله :
عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا قالَتْ : قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " إن الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، فَمنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا بَارَكَ اللّهُ لَهُ فِيهَا ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ في مَالِ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( رواه الطبراني وهو حسن )
5. قراءة القران في البيت : وذلك ليفر الشيطان من البيت ويبارك في هذا البيت وأهله:
كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: “الْبَيْتُ إِذَا تُلِيَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ اتَّسَعَ بِأَهْلِهِ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ، وَحَضَرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَخَرَجَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَمْ يُتْلَ فِيهِ كِتَابُ اللَّهِ، ضَاقَ بِأَهْلِهِ، وَقَلَّ خَيْرُهُ، وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَحَضَرَهُ الشَّيَاطِينُ“.
6.اجتناب الربا والحرام :
قال الله تعالى عن الربا ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات )
7.الصدقة :
لقوله تعالى ( مثل الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة ،261).
والمضاعفة ليست في الحسنات فقط بل في البركة في المال أيضا .
وفي الحديث المتفق عليه ( قال الله : أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك ).
8. التوكل على الله واستخارته في كل عمل :
ففي الحديث قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم : " لو أنكم تتوكلونَ على اللَّهِ حقَّ توكلهِ ، لَرزقَكم كما يَرْزُقَ الطَّيرَ ، تغدوِ خماصاً ، وتروحُ بِطَاناً " (رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ).
9.الدعاء :
كقول الرجل الصالح في قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ).
و كان رسول الله عليه الصلاة والسلام كثير الدعاء بالبركة لصحابته كدعائه لأنس بالبركة في ماله وولده فكثر ماله وكثر نسله وأحفاده حتى بلغوا 120 فردا.
ودعوته لعروة البارقي بالبركة في ماله فكان لو اشترى ترابا لربح فيه كما جاء في الحديث.
وإذا كان هذا دعاء النبي وهو مجاب ، فالمطلوب الاقتداء بالنبي في ذلك .
وأنبهك هنا إلى أن البركة لا تعني بالضرورة زيادة مادية محسوسة بل قد تكون في الكفاية والشعور بالسعة والراحة والاطمئنان وغيرها من الأمور المعنوية.
والله أعلم