المنكرات المنتشرة في المجتمعات المسلمة كثيرة جدا في هذا الزمن ، نتيجة ضعف الإيمان الشديد وقلة المنكرين واعتياد الناس على المنكرات حتى ألفوها وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا ، وقد يكون هذا من أعظم المنكرات في زمننا وهو " تبدل المعروف منكرا والمنكر معروفا " حتى صار الناس ينكرون ويستغربون ممن يأمرهم بالمعروف ويعدون ذلك منكرا ، ويستغربون ممن ينكر عليهم منكراتهم ويتعبرون ذلك تشددا وخروجا عن الدين !
روي في الحديث ( كيف بكم أيُّها الناسُ إذا طَغَى نِساؤُكم وفسقَ شبابُكم قالوا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا لَكَائِنٌ قال نعَمْ وأَشَدُّ منه كيفَ بكم إذا تَركتُم الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ قالوا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا لَكائِنٌ قال نعَمْ وأَشَدُّ منه كَيْفَ بِكُمْ إذَا رأيتُم المنكرَ معْرُوفًا والمعروفَ منكرًا ) ( رواه الطبراني وغيره)
فانظر كيف جعل تبدل المعروف منكرا والمنكر معروفا في أعلى درجات المنكر .
والسبب في ذلك أنه ما دام الناس يعدون المنكر منكرا والمعروف معروفا فإن الأمل في الإصلاح قائم لأن المفاهيم لم تتبدل والفطرة لم تنتكس ، فمن واقع المنكر وفعله فإنه يفعله وهو يعلم أنه منكر فلن يعدم له منكرا وغالب الناس إما ساكت أو منكر ، وهذا العاصي إن كان عنده حياء أو مرؤوة سيمنعه حياؤه أو مروؤته عن مواقعة المنكر أو المجاهرة به على الأقل ، لأنه مخالف لعرف الناس ودينهم ومفاهيمهم ، فمن لم يمنعه دينه سيمنعه حياؤه أو مرؤوته ، ومن أسر به سيستحي من المجاهرة به ، ومن جاهر به لن يعدم منكرا ، وهذا المنكر على العاصي سيجد مؤيدا في الغالب أو على أقل تقدير لن يجد معارضين .
بينما إذا تغيرت المفاهيم وانقلبت الأحوال وانتكست الفطرة حتى صار المنكر في عرف الناس معروفا مألوفا لا يستحى منه ، وصار المعروف منكرا ، فعندها من كان يمنعه حياؤه سابقا أو مرؤوته لن يمتنع عن مواقعة المعصية لأنه لا مانع لديه من عرف ولا دين ، وسيصبح صوت المنكر للمعاصي ضعيفا حتى يعدم ، لأن صوته صار نشازا بالنسبة للمجتمع يخالف عرفهم ومفاهيمهم وتقاليدهم وما نشؤوا عليه ، فيصبح الحق باطلا والباطل حقا !
وهذا ما نشاهده في زمننا ، فصار التبرج حرية شخصية ، والإلحاد رأيا محترما ، وقس على ذلك!
فاتنكاس الفطرة وتبدل المفاهيم وانعكاس الأحوال هي من ِأشد المنكرات وأعظمها في زمننا ، وما أقل المنكرين لها !