البعد المقصود في هذه المقولة الشائعة ليس الانعزال أو الانقطاع عن الآخرين أو الإنطوائية، لأن هذا يتنافى مع الحاجات التي يولد الإنسان مزوداً بها، فالحاجات الاجتماعية المتمثلة في الانتماء وتحقيق الإنجاز والتواصل الاجتماعي وغيرها تعد من الضروريات ليعيش الإنسان حياته، كيف يمكن للإنسان أن يحقق إنجازاته بمعزل عن الآخرين، من الذي سيجعل هذه الإنجازات أكثر قيمة غير الأشخاص المحيطين! لذلك هذا ليس المقصد من المقولة.
المقصد والمعنى خلف جملة " البعد عن الناس غنيمة" هو الحفاظ على الحدود في العلاقات، البعد الشخصي وليس المكاني، لأنه وبالرغم من أننا لا نستطيع الاستغناء عن الناس في حياتنا إلا أن دخولهم فيها بشدة أمر مؤذي أيضاً، لأن لكل شخص خصوصياته التي لا يرغب بأن يتدخل بها الآخرين، وهذا لا يتحقق إلا إذا حافظت على هذه المسافة المجازية بينك وبينهم، وأيضاً الأمر متبادل حيث لا تتدخل بالآخرين بالشكل الذي يلغي الحدود الشخصية لكل منكما ، ويتحقق هذا فيما يلي:
- الزيارات المتبادلة في المناسبات الاجتماعية أو بين حين وحين وليس بشكل دائم كما أن الاتفاق المسبق على المواعيد أمر ضروري حتى لا يفقد الأشخاص الحس بالخصوصية وينعدم الاستئذان بين الأفراد.
- عدم التطرق إلى حياتك الخاصة، فالبعض يعتقد أن مشاركتك لأحداث حياتك الخاصة يسمح لهم أن ينتقدونها أو يبدو رأيهم فيها أو مشاركتها مع الآخرين وهذا يجلب مشاكل أكثر مما يحل ونرى هذا كثيراً مع مشاهير السوشال ميديا الذين يتضايقون من تدخل الجمهور وانتقادهم لحركاتهم لكن يكون المبرر أنتَ شاركت حياتك الخاصة إذاً يحق لنا الاقتراب لهذا الحد.
- تخفيف العلاقات من ناحية العدد، البعد لا يعني الانقطاع التام بل يمكن أن تقتصر العلاقات القريبة على أفراد معينين وأصدقاء مقربين بدلاً من أن تقسم نفسك إلى أجزاء عديدة بحيث تمنح حياتك للآخرين.
والآن وبعد أن وضحت لك القصد من هذه العبارة يمكنني وبكل راحة أن أخبرك عن رأيي بها وما إذا كنت من المؤيدين أو المعارضين وأنا في الحقيقة من أنصار هذا القول والمؤيدين له، التواصل الاجتماعي والتعرف على الآخرين أمر جميل وضروري لكن ضمن حدود المعقول.