ما هو شرح حديث الرزية وما مدى صحته

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١١ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه ومسلم وغيرهما لذلك هو صحيح قطعاً ولم يطعن أحد من العلماء في صحته ، وقد رواه البخاري بعد روايات في عدة مواضع من صحيحه ، ومن هذه الروايات  :
 
" عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده" فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو، والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا" قال عبيد الله: (راوي الحديث عن ابن عباس، وهو ابنه): فكان ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: إن الرزية كل الرزية، ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم، ولغطهم" . 

وهذا الحديث اتخذه بعض الجاهلين والحاقدين سبيلاً للطعن في بعض الصحابة وخاصة عمر رضي الله عنه وأرضاه ، باتهامهم بلغطهم وتشويشهم على النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المجلس وعدم طاعته ، حتى أدى ذلك إلى ترك رسول الله كتابة هذه الوصية .

بل بعض الطوائف تزعم أن النب عليه الصلاة والسلام أراد أن يوصي بعده بالخلافة فلما خاف عمر من ذلك شوش على رسول الله حتى لا يكتب هذا الكتاب !

ونحن نقول : سبحانك هذا بهتان عظيم !

فلم يفهم هؤلاء الطاعنون أن قولهم هذا فيه فعلياً طعن في القران وطعن في الرسول عليه السلام قبل أن يكون طعناً في عمر !

وذلك أنه ورد في القران قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) ( المائدة 3) .

فلو كان ما أراد النبي كتابته ثم تركه أمر شرعي واجب التبليغ  ولم يبلغه أليس في ذلك دعوى أن الدين لم يتم ولم يكمل وانه نقص منه بعضه ؟!

ثم ألم يقل الله تعالى ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ..) ( المائدة ).

فلو كانت الوصية جزءاً من الدين والوحي الذي أمر رسول الله بتبليغه ثم تركه أليس هذا معناه أن النبي عليه السلام لم يبلغ رسالة ربه كاملة ، وهذا يتنافى مع عصمته ؟!

ثم إن هذه الحادثة قد وقعت يوم الخميس كما ورد في بعض الروايات الصحيحة وعاش النبي عليه السلام بعدها أربعة أيام فوفاته كانت يوم الاثنين عليه السلام  ،لماذا لم يكتب النبي هذه الوصية في مجلس آخر ؟!

ثم قد جاء في روايات أخرى للحديث " دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فيه خَيْرٌ، أُوصِيكُمْ بثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَأَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ. قالَ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قالَهَا فَأُنْسِيتُهَا " . 

فهذه وصايا قالها النبي في مجلسه ، فلم لم يوص بغيرها لو كان ديناً مأموراً به .

فكل هذه الأوجه تدل قطعاً أن ما هم النبي بكتابته ثم تركه إما أنه هي الوصايا التي ذكرها لفظاً ، وإما أنه أمر مستحب ليس بواجب والقران  والسنة فيه دلالة عليه يمكن الوصول بالنظر والاجتهاد إليها فلم يكن تبليغه واجباً على النبي عليه السلام ، وإما انه كان أمراً اجتهادياً من النبي عليه السلام وليس بواجب عليه ثم بدا له ترك هذا الأمر .

وابن عباس كان هو باجتهاده يقول أن الرزية  هو فيما حال بين كتابة النبي لهذا الأمر ، وهذا رغبة منه أن يكون هناك مزيد توضيح من النبي عليه السلام .

فشرح الحديث باختصار : أن النبي عليه السلام لما طلب منهم كتاباً يكتب فيه ، وقد رأى الصحابة تعبه وشدة مرضه ، علم بعضهم ومنهم عمر بقرينة الحال أو بقرينة رأوها أن الأمر ليس للوجوب وإنما أمرهم أمر استحباب ،وإلا لو كان للوجوب لما اختلفوا في ذلك ، ولو كان للوجوب لما تركه رسول الله لاختلافهم ، فرأى عمر أن الأرفق بحال رسول الله هو إراحته والرفق به حتى يصحو من مرضه ، فعمر لم يكن يعلم أن هذا المرض فيه موت رسول الله ، بل هو بعد موته أنكر في بادئ الأمر موته عليه السلام ، وبعض الصحابة رأى مصلحة الاستعجال في الكتابة فتناقشوا في الأمر في حضرة النبي حتى أزعج ذلك النبي في مرضه فأمرهم بالخروج .

ولم يطعن أحد ممن حضر المجلس بعمر ولا بغير عمر ، وهذا ابن عباس راوي الحديث كان يجل عمر ويحبه ويعرف سابقته وفضله ، فهل قال في يوم من الأيام أن عمر كان سبباً في ضياع شيء من الدين ؟!

والله أعلم