يبدو التقاط الرمزية في فيلم نحن Us أمرًا سهلًا؛ فالبشر هُم الأغنياء والمرتبطون بهم “الأقران” أو “الظلّ” هم الفقراء المُعدَمون. منذ البدء وقبل ظهور الظلّ/المرتبطين، يُعطي العمل -الذي أخرجه المخرج والكوميدي الأميركي جوردان بيل- إحساسًا بأنّه سيتحدّث عن أغنياء وفقراء، بأنّ فيه شيئًا عن التفاوت بين طبقتين؛ واحدة مُنعمٌ عليها لأبعد مدى وأُخرى مُعدَمَة وملعونة تعيش في الحضيض. تحديدًا منذ المشهد الأول الذي يبدو سُرياليًا على نحوٍ مُضحِك حيث يُذاع إعلانٌ عن التكافُل والتعاضد وتكوين سلسلةٍ بشريّة تضامنية، ليأتي بعده فورًا إعلانٌ آخر لا يهم إلاّ الأغنياء أو تلك الطبقة التي تعيشُ في عالمٍ آخر، في غيتو طوباويّ. ومن السهل كذلك، التلاعب باسم الفيلم US ليصبح U.S لنخرج بنتيجةٍ مفادها أن الفيلم يتحدّث عن الولايات المتحدة الأميركية والتفاوت الطبقيّ فيها، مع أن فكرة الفيلم أوسع وأرحب من ذلك.
هذا الوضوح في الرمزية، مهمٌ جدًا لقطع الطريق على أي محاولاتٍ لتحويل الصراع في هذا العمل من طبقيّ محض إلى عرقي أو جندريّ أو صراعٍ بين أقلياتٍ مُضطهدة عرقيًا ودينيًا وجنسيًا وجندريًا وبين أكثرية (عرقية/دينية/جنسية/جندرية…) ديكتاتورية. حتى وإن حاول البعض ليّ عنق الفيلم ليقول إنّه عن ثورة سوداء ضدّ البيض (مُحاجِجًا بطاقم التمثيل والذي أغلبه من السود، وإن كان الفيلم مليئًا بالإحالات إلى ثقافة السود في ثمانينيات القرن الماضي ووقتنا الحالي، خاصةً الجانب الموسيقي منها)، فالاضطهاد يعمّ الجميع، البيض والسود، ولا يُميّز بين ذكرٍ وأنثى أو بين مُغاير أو مثليّ الجنس، وكذلك النعيم! ويتجلّى ذلك في مشاهد الحياة التي يعيشها “المرتبطون/الظل” في كابوسهم الواقعي، في جحيمهم الحقيقي.. تحت الأرض.
يُهاجم الفيلم الأغنياء، أو لنستعر من القاموس الماركسيّ وصفًا أدقّ “الطبقة المُهيمِنَة” وثقافتها ونمط حياتها، ويُعلنُ ثورةً عليها، عبر فكّ الارتباط بها. المُضطهَدون الذين يثورون على المُضطَهِدين هم أنفسهم، لا فرق بينهم أبدًا في العرق أو اللون، وحين تُسأل النسخة الظلّ من آيدلايد ويلسون، (ريد)، عن حقيقة أصلها هي وقومها، تقول: نحن أميركيون مثلكم! ومع ذلك لا يبدو أنّهم الثوريون الذين يحلم بهم الماركسيون، فثوريّو هذا الفيلم لا يملكون أي وعيٍ أو نظرية أو منهجًا، إنهم فوضويون، مجانين تحرّكهم غريزة الانتقام وإرادة توحّشٍ عمياء، وثمّة ظروفٌ موضوعية جعلتهم كذلك؛ إنهم نتاج ظُلمٍ مُمنهَج، وضحيةٌ لطبقة “سادة” أدركت أنّ حفاظها على مكتسباتها، مرهونٍ ببقاء الآخرين “عبيدًا”.
ولا يبدو أن الوضع بعد فكّ الارتباط (الثورة ضد الطبقة البرجوازية المُهيمِنَة)، سيكون ديكتاتوريا للظلّ (ديكاتوريا البروليتاريا) -الذي لن يعود ظلًا- ولن يتم تأسيس مجتمع لا فرق فيه بين المُهيمِنين وظلّهم (المجتمع اللاطبقيّ). ومن الظاهر أن الفوضى هي المآل الحتمي، أو أن يتدخل جهاز الدولة القمعي (التعبير للماركسي الفرنسي لوي ألتوسير) لإبادة المرتبطين/الظلّ أو أن تقوم ثورة مُضادة. وثمّة ما يشي بأن النظام القائم سيظلّ قائمًا والذي يتم ذكره في أكثر من مناسبة باسم “الربّ”، وحينَ تقول ريد إنّ الله كان يختبرها، فإنّها تعني “النظام القائم” الذي اختار وضعها تحت الأرض واصطفاء آيدلايد ويلسون والإنعام عليها.
الرعب الحقيقي، لا يتمظهر في مشاهد القتل المجنون التي يُمارسها الظلّ/المُرتبطون، ولا في اقتحام عائلة ريد “الهمجيّة المتوحّشة” لمنزل عائلة ويلسون “المُسالِمَة المُتحضّرة” التي تعيش آمنةً مطمئنة متنعّمة بالخيرات. بل في الفكرة المخيفة المرعبة المتمثّلة بوجود طبقةٍ ترزح تحت أقدام أخرى، وبأنّ مُحافَظَة الطبقة المرفّهة والمتنعّمة على مكتسباتها، مرهونٌ بأن تعيش تلك المُضطهَدة في أسوأ وأبشع الظروف، وبأنّ عيشَ أفرادٍ في ظروف إنسانية ومتحضّرة، مشروطٌ بردّ آخرين إلى طبيعتهم الحيوانية وتحويلهم إلى وحوشٍ همجية.
يبلغ رُعب الفكرة هذا ذروته في أواخر الفيلم، في حبكتِه، حين يفاجئُنا بأنّ ريد هي آيدلايد ويلسون الحقيقية! ليجعلنا نتساءل بقلَق: من نحنُ ومن هُم في الأساس؟ من قرّر من نحنُ ومن هُم؟! وليقول لنا أن شعرةً تفصل بين الإنساني والهجمي، اسمها “الظروف الموضوعية”، وأنّ عيشَ الإنسان تحت وطأة أوضاعٍ استعبادية وسياساتٍ تجهيلية وظروفٍ ترّده إلى بداءته، سيسلخُه بالضرورة عن عن “إنسانيّته” و”حضارته”.