تفسير قوله تعالى: (فالتقمه الحوت وهو مُليم) [الصافات: 142]
تفسير كلمة (التقمه)..
ومعنى "التقمه" في لغة العرب: ابتلعه.
قال في القاموس المحيط، ص 1158: "والْتَقَمَه: ابْتَلَعَه"
ومن أهل اللغة من يفسر كلمة (التقمه) من اللقم، أي أنه بقي بفم الحوت دون أن يبلعه.
وهذا لا يعتدّ كتفسير للآية الكريمة لقوله تعالى: (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144))
فبتالي، يؤكد قوله تعالى: (للبث في بطنه)، أن الحوت ابتلع سيدنا يونس في بطنه، وهذا نص قاطع بأن يونس عليه السلام استقر في بطن الحوت، وإنه لم يبتلعه في بطنه، حتى "التقمه" بفمه أولًا.
قال الطبري رحمه الله في تفسيره (21/ 107): "وقوله (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) يقول: فابتلعه الحوت؛ وهو افتعل من اللَّقْم.
ومما يؤكد ذلك من السنة النبوية، ما روي عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه قال: "دعوَةُ ذي النُّونِ إذ دعا بِها وَهوَ في بَطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلَّا أنتَ، سبحانَكَ إنِّي كُنتُ منَ الظَّالمينَ لم يَدعُ بِها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ، إلَّا استجابَ اللَّهُ لَهُ" حديث صحيح، (الألباني، الكلم الطيب: 123)
وأما قوله تعالى: (وهو مُليم)
ما ورد في تفسير الجلالين: {وهو مليم} أي آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه.
ومما ورد في تفسير الطبري -رحمه الله-: وَقَوْله: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوت} يَقُول: فَابْتَلَعَهُ الْحُوت؛ وَهُوَ اِفْتَعَلَ مِنْ اللُّقَم. وَقَوْله: {وَهُوَ مُلِيم} يَقُول: وَهُوَ مُكْتَسِب اللَّوْم، يُقَال: قَدْ أَلَامَ الرَّجُل، إِذَا أَتَى مَا يُلَام عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْر وَإِنْ لَمْ يُلَمْ، كَمَا يُقَال: أَصْبَحَ مُحْمِقًا مُعْطِشًا: أَيْ عِنْدك الْحُمْق وَالْعَطَش؛ وَمِنْهُ قَوْل لَبِيد: سَفَهًا عَذَلْت وَلُمْت غَيْر مُلِيم وَهَدَاك قَبْل الْيَوْم غَيْر حَكِيم فَأَمَّا الْمَلُوم فَهُوَ الَّذِي يُلَام بِاللِّسَانِ، وَيَعْذِل بِالْقَوْلِ.
ومما ذكره أهل التأويل في هذه الآية:
عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِد، قَوْله: {وَهُوَ مُلِيم} قَالَ: مُذْنِب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَهُوَ مُلِيمٌ): أي في صنعه.
وتفسير ذلك أن سيدنا يونس عليه السلام عندما غضب من قومه لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، ذهب غاضبًا منهم، فغضب فانطلق إلى السفينة فركب، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدم ولا تتأخر، فتساهم هو وقومه لإلقاء أحد من السفينة، فثبت ذلك على سيدنا يونس، فألقي من السفينة والتقمه الحوت حينها، فعرف سيدنا يونس ذنبه، وكان في بطن الحوت من المسبحين، فظل يردد (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فأنجاه الله بذلك فأوحى إلى الحوت فقذفه إلى البرّ، يقول الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144]، أي لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه.