علم النفس الجنائي يعتبر أحد المساقات الرائعة والمثيرة، وهو مجال كنت أتمنى لو تخصصت به للدراسة، خاصة أننا نعيش اليوم في زمن تكثر فيه أنواع الجرائم المختلفة،
وهو يعتبر أحد فروع علم النفس التطبيقية، لأنه بشكل أساسي يوظف علم النفس للكشف عن الجريمة، ودراسة السلوك الإجرامي دراسة علمية بهدف وصفه وصفا علميا دقيقا وضبطه والتحكم به والتنبؤ فيه، لذلك لا تصنف على أنها علمية كدراسة الصيدلة أو أدبية كدراسة اللغات، إلا أنها أقرب إلى التخصصات القانونية.
فيه يتعلم دارس هذا العلم تعريفات الجريمة المختلفة سواء كان تعريفا قانونيا أو تعريفا نفسيا أو تعريفا اجتماعيا إلى جانب أركان الجريمة والظروف المخففة للجريمة وأهداف هذا العلم والصعوبات التي تواجه باحث علم النفس الجنائي، وكذلك النظريات المختلفة المفسرة للجريمة كالنظرية البيولوجية والنظرية النفسية والنظرية الاجتماعية وفي البلدان المسلمة يتم التطرق إلى التفسير الإسلامي للجريمة. كما أنه علم يصف وسائل كشف الجريمة، والآثار النفسية لإيداع مرتكب الجريمة في السجن، وجنوح الأحداث ودراسة بعض الشخصيات منها الشخصية السايكوباثية وبعض الجرائم كالقتل والسرقة والتخابر مع الأعداء وتعاطي وترويج المخدرات وغيرها، كما يتعرف باحث علم النفس الجنائي عن طرق الوقاية والعلاج.
يدرس علم النفس الجنائي الجريمة، ويعتبرها من أخطر المشاكل الاجتماعية التي تشغل أذهان العلماء والمفكرين، فهي تتمثل في السلوكيات المضادة للمجتمع، كما أنه
يمكن اعتبارها ضمن الأوبئة والأمراض الاجتماعية التي لا شك أنها تهدد أمن واستقرار وسلامة المجتمع، وبناء على ذلك تعيق مسيرته نحو التقدم.
نحن نقول أن الجريمة تعتبر مرضا وأنها تهدد أمن وسلامة المجتمع لأن غالبا من يقع في الجريمة هم أفراد من فئة الشباب، ونحن دائما ما نعتبر الشباب رمزا للفتوة لأنهم الأقدر والأجدر على تغيير المجتمع.
الجريمة التي يدرسها علم النفس الجنائي هي ظاهرة اجتماعية نسبية، وترتبط بالمجتمع ارتباطا وثيقا، من حيث عاداته وتقاليده، ومن حيث متغيراته الاقتصادية والسياسية أيضا، ويقصد بظاهرة اجتماعية نسبية أنه تجريم ليس ثابتا على نحو دائم، أي أن ما يعد جريمة في مجتمع ما قد لا يعد جريمة في مجتمع آخر، كتعاطي الخمر على سبيل المثال، فهو يعد جريمة في المجتمعات الإسلامية بينما في المجتمعات الغربية لا يعد جريمة، أيضا الحكم على بعض الجرائم، يختلف من مكان إلى آخر.
لا شك أن كل فرد في المجتمع يتأثر بالظروف التي تحيط به، فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالمجتمع ويؤثر به، وهناك مؤسسات اجتماعية تتمثل في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام ودور العبادة والنوادي وغيرها والتي تلعب جميعها دورا كبيرا في تشكيل وبناء وصقل شخصية الإنسان، لذلك يتأثر الإنسان منذ لحظة ولادته بالظروف التي تحيط فيه، فإن ولد في أسرة جيدة مترابطة يسودها الحب والحنان والسلوكيات الجيدة وتتمتع بروابط وجسور من الثقة والتفاهم فمن الطبيعي أن تنجح هذه الأسرة في تقديم نموذج سوي قادر على التكيف والتأقلم مع الظروف والبيئة المحيطة، فإذا ما صلحت الأسرة، صلح المجتمع، لذلك فإن معاملة الوالدين لأبنائهما هي أمر هام جدا في تشكيل سلوكياتهم.
إن القسوة والتسلط والتذبذب والتمييز والتفرقة من أساليب التربية السيئة التي تترك بصمة سلبية في شخصية الإنسان، لذلك بقدر الإمكان علينا معاملة الأبناء معاملة وسطية جيدة، ليس فيها الكثير من القسوة ولا الكثير من الحماية لأن هدفنا هو بناء شخصيات صالحة.
يدرس علم النفس الجنائي الظواهر الخطيرة والتي تضر بالشعور الجمعي وبقيم وعادات وأعراف المجتمع، لأنها تهدد الجماعة واستقرار المجتمع، والجريمة ليست أمرا حديثا، بل هي موجودة منذ وجد الإنسان على هذه الأرض، وقصة قابيل وأخوه هابيل هي أشهر مثال على ذلك مع اختلاف التفاصيل.
وهي موجودة في جميع أنواع المجتمعات، سواء كانت مجتمعات عربية أو مجتمعات متخلفة أو مجتمعات متحضرة أو النامية، بل تجد معدل الجريمة مرتفع أكثر في المجتمعات الغربية لانعدام الترابط الأسري وافتقارها لبعض القيم. لذلك نرى أن الإنسانية عانت عبر الزمن من الجريمة، وحاولت وعملت على مكافحتها بشتى الطرق والوسائل.
يرى علم النفس الجنائي أن العدوان هو أساس الجريمة، وهو الأساس لجميع الأفعال التي تلحق الأذى والضرر بالغير والاعتداء عليهم، سواء كان بالقتل أو السرقة أو التعامل مع المخدرات تعاطيا أو ترويجا أو غيرها. وهي تكون شاذة عن القاعدة العامة، أي أن هذا الإنسان المجرم قام بارتكاب سلوكا معينا منافيا للقاعدة العامة، ومنافيا للسلوكيات والقيم والعادات، ويعتبر شاذا لأنه انحرف عن الخط العام المعروف في بيئته المجتمعية.
من الناحية النظرية، يتم
تحديد الجريمة إذا ما توافرت فيها شروطا خمسة على الأقل هي:
أولا: أن يكون متضمنا الأذى والضرر
ثانيا: ينص القانون على منعه
ثالثا: ضرورة توفر فيه القصد الجنائي للفاعل، أي الإرادة الجنائية، فالقاتل او السارق أو الجاني قام بالتفكير والتخطيط قبل ارتكابه للجريمة، فتكون جريمة مع سبق الإصرار والترصد وقام بارتكاب الجرم وهو بكامل وعيه
رابعا: أن يكون هناك علاقة سببية بين الإرادة وبين السلوك الضار الناجم عنه
خامسا: أن يكون لها عقوبة مقررة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك جريمة بدون عقوبة.
أما من الناحية القانونية فإن الجريمة عبارة عن مفهوم قانوني يشتمل على كافة أشكال السلوك التي يعاقب عليها القانون الجنائي، إضافة إلى أن الجريمة تمثل الخروج عن النظام الذي يضعه القانون الذي تم وضعه من قبل الفقهاء في القانون والمجتمع ارتضى ووافق عليها وكذلك هو السلوك الذي نص القانون على تجريمه وعقاب مرتكبيه، وهو كل فعل يخالف قانون العقوبات أو يعتبر تعديا على الحقوق العامة أو خرقا للواجبات.
من
أشهر علماء علم النفس الجنائي وأولهم الطبيب الإيطالي تشيزري لومبروزو والذي يرجع له الفضل في تطوير نظرية الرجل المجرم، وتحديد نوع المجرمين وصفاتهم. وقد كانت الجرائم في إيطاليا في زمن الطبيب لومبروزو جدا شديدة وبشعة، لذلك قامت السلطات بالطلب منه بأن يقوم بمساعدتهم، فقام في العام 1876 م بتأليف كتاب اسمه "الرجل المجرم" وكان الهدف من هذا الكتاب تفسير لماذا يرتكب المجرم جريمته، وقد بني على هذا السؤال دراسات عديدة، وتم نقد بعض أفكاره في بداية دراسته للموضوع لاعتقاده بأن المجرم يولد مجرما بفطرته وأنه خلق بهذا الشكل، وبصفته طبيب، قام بتشريح جماجم المجرمين ليتمكن من التأكد من صحة نظريته، والذين كانت أغلب قضاياهم كبيرة نوعا ما، ووجد أن بعض المجرمين يمتلك نتوءات في جماجمهم، واعتبرها علامات تدل على شذوذه عن الآخرين، كما كان لومبروزو هو أول من استخدم جهاز الكشف عن الكذب والذي يتم استخدامه في التحقيق مع المجرمين.