القول الراجح في هذه المسألة : أنه لا يضر ما بقي من لون النجاسة، أو ريحها بعد الاجتهاد، ومحاولة إزالة وصفيهما.
النجاسة من الأمور التي تفسد الطهارة وتبطلها سواء كان الحدث صغيراً أم كبيراً (بول أو غائط) أو وجود النجاسة بتأثير خارجي مثل : أن يلحق بالحذاء نجاسة ويصلي به أو يلحق بالثوب نجاسة من خلال حمل طفل أو نحوه .
- وديننا الإسلام هو دين النظافة والطهارة لذلك جعل الطهارة شرطاً أساسياً للعبادة وصحة الصلاة، ومن أجل ذلك أوجب إزالة النجاسة .
والطهارة هي : رفع الحدث، وإزالة النجاسة، وهي: طهارة من الحدث، وطهارة من النجاسة، فطهارة الجسد والثوب والمكان الذي يصلي فيه المصلي، وإزالة النجاسة منه مشروعة، ومأمور بها، قال الله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ )سورة المدثر4.
وقال تعالى: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود)سورة البقرة 125
- والنجاسة: هي الخبث والقذر، وكل ما هو مستقذر شرعاً، وهي إما أن تكون حسية؛ كالبول، والغائط، والميتة، أو معنوية؛ كنجاسة الكفار، والأصنام، والمعتقدات الشركية. وتزول النجاسة بالماء وبغيره من المطهرات، ولم يأت دليل بحصر التطهير في الماء، فبأي مزيل زالت النجاسة أجزأ ذلك، حتى لو كان بالمعقمات والمطهرات الكيماوية، فإن ذلك مجزئ على الراجح، فما دام قد زال وصف النجاسة، فلا ريح ولا طعم ولا لون فقد صار الشيء طاهراً، وقد كثرت وسائل التعقيم والتكرير، فها أنت ترى في بعض الأماكن تكرر مياه المجاري حتى تعود نظيفة، فهذه إذا زال وصف النجاسة عنها عادت إلى الطهارة، وكذلك بعض المغاسل تنظف الملابس بالمنظفات الكيماوية، فإذا زالت النجاسة، وزالت عينها، وزالت أوصافها، فهذا يرجع إلى الطهارة، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى.
- كما أن اليسير من النجاسة معفي عنه تسهيلا على الناس، ورفعاً للحرج عنهم.
قال الإمام النووي: فإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة فقولان:
والصحيح الذي قاله الجمهور: إن حكمنا بطهارته مع بقاء لون أو رائحة فهو طاهر حقيقة، ويحتمل أنه نجس معفو عنه .
- وذهب الإمام أبي حنيفة وغيره من العلماء : إلى أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها، إذ أن المقصود هو الإزالة، وكذلك الريح تطهر المتنجس، ولكن مجرد أن النجاسة قد يبست فهذا لا يعتبر تطهيراً، بل لا بد أن يمضي عليه زمن تزول عين النجاسة منه.
ومن هنا فإذا وقعت النجاسة على ثوب، أو أرض ثم جفت فلا بد من غسلها، وأما السطوح المصقولة كالمرآة، والسكين، والرخام وبعض البلاط في زمننا هذا، فإنه يكفي دلكه حتى تزول النجاسة منه، فلو تنجست مرآة ثم دلكتها حتى أصبحت واضحة لا دنس فيها فإنها تطهر على الراجح .
-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يجوز زوال النجاسة بالدلك، وقال لو أن النجاسة صارت رماداً، أو ملحاً فتحولت فإنها تطهر بهذه الاستحالة .
-وعليه : فإن الصلاة بعد الاجتهاد في إزالة رائحة النجاسة صحيحة ولا يترتب على ذلك بإعادة الوضوء.
وننبه هنا على موضوع مهم ومتعق بالنجاسة وهو الإستنجاء ، فكثير من الناس قد لا يهتم بهذا الأمر خير إهتمام فتجده يبول واقفاً - خاصة في دوارت مياة السوق أو أماكن العمل أو دورات مياه المساجد أو حتى في بيته !!! وهذا التصرف قد يحدث إما عن جهالة ، وإما عمدا ، وفي كلا الحالتين الأمر خطير جداً !!! لأن من أسباب عذاب القبر إهمال موضوع الطهارة والتنزه الحقيقي من البول - ولهذا عندما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين قال: ( إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، قال: وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) رواه البخاري