هذه العبارة تشبيه معروف في اللغة للدلالة على شدة حياء الموصوف به وهي صفة مدح ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة كما ورد في الحديث :
- عن أبي سعيد الخدري قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً مِن العذراء في خدرها " (رواه البخاري ).
- وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه " كان رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم أشدَّ حياءً من عذراءَ في خِدْرِها وكان إذا كرِه شيئًا عرَفْناه في وجهِه " ( ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وصحح أحد إسناديه ).
ومعنى " العذراء " هي البنت البكر التي لم تتزوج ولم تفض بكارتها فحافظت على عذريتها
ومعنى " في خدرها " الخدر هو المكان الذي تقيم فيه البنت العذراء في البيت وهي حجرتها ، وكان من عادة العرب أن يكون للفتاة البكر مكان خاص في البيت ، وذلك لغلبة الحياء عليها وقلة مخالطتها للرجال فيكون لها مكان خاص تقيم به ، فهي ليست كالمرأة الثيب المتزوجة التي عافست الرجال ورأتهم أو المرأة البرزة التي تذهب وتجيء في الاسواق وتخرج وتدخل .
وكانت العرب تمدح المرأة بمثل هذه الصفة وقلة رؤيتها وخلطتها بالرجال فتقول عنها " لم تر الشمس وجهها ، دلالة على نفاسة هذه المرأة وتسترها وعدم تكشفها .
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري " قوله : ( أشد حياء من العذراء ) أي البكر ، وقوله " في خدرها " بكسر المعجمة أي في سترها ، وهو من باب التتميم ، لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنه ، لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها ، فالظاهر أن المراد تقييده بما إذا دخل عليها في خدرها لا حيث تكون منفردة فيه ، ومحل وجود الحياء منه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله ".
قال النووي رحمه الله : " معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتكلم بالشيء الذي يكره لحيائه، بل يتغير وجهه، فنفهم كراهيته، وفيه فضيلة الحياء وأنه محثوث عليه ما لم ينته إلى الضعف والخور " .
والقيد الذي ذكره ابن حجر مهم لفهم ان النبي عليه السلام لم يمنعه حياؤه من الغضب لمحارم الله ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظُلِمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء، فإذا انتهك من محارم الله شيء كان من أشدهم في ذلك غضبا) ( رواه الترمذي ).
والله أعلم