قيل في الشعر العربي ما قيل في الهجاء. فكان موضوعًا حافلَا من قبل العديد من الشعراء وأشهرهم المتنبي، ذلك القيمة والقامة والآلة الشعرية الفخمة التي لن تجد في فرادة شعره ودقة وصفه وقوة حكمته وحتى احترام عقلية من أمامه حتى عند هجائه وذمَّه. أبو الطيّب الذي وازن ما بين مدحه لنفسه وإعلاء قدره وما بين هجائه الشديد العظيم لمن يخالفه حتى وصل الأمر به للقذف والسب. ولم ينجُ من فظاعة لسانه لا أمير ولا وزير ولا سيد ولا مجهول، حتى نقل عن بعض المؤرخين أنه قتل بسبب هجائه "ضبَّة بن يزيد" الذي بدأ أولًا بسبّ المتنبي بطريقة بذيئة، مما دعى المتنبي صاحب الهمة العالية والغرور العظيم أن يرد عليه بأقذع الأبيات الشعرية. وصل الأمر لخال ضبّة وهو "فاتك الأسدي" الذي تربص للمتنبي وقتله ثأرًا لابن أخته.
هذه بعض الأبيات التي قدح بها المتنبي ضبّة:
ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّه وَأُمَّهُ الطُرطُبَّه رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ وَباكَوا الأُمَّ غُلبَه
وَإِنَّما قُلتُ ما قُلتُ رَحمَةً لا مَحَبَّة وحيلَةً لَكَ حَتّى عُذِرتَ لَو كُنتَ تأبَه
وما عَلَيكَ مِنَ القَتـلِ إِنَّما هِيَ ضَربَه وما عَلَيكَ مِنَ الغَدرِ إِنَّما هُوَ سُبَّه
وما يَشُقُّ عَلى الكَلبِ أَن يَكونَ اِبنَ كَلبَه ما ضَرَّها مَن أَتاها وَإِنَّما ضَرَّ صُلبَه
يا أَطيَبَ الناسِ نَفساً وَأَليَنَ الناسِ رُكبَه وأَخبَثَ الناسِ أَصلاً في أَخبَثِ الأَرضِ تُربَه
وأَرخَصَ الناسِ أُمّاً تَبيعُ أَلفاً بِحَبَّه يا قاتِلاً كُلَّ ضَيفٍ غَناهُ ضَيحٌ وَعُلبَه
وخَوفُ كُلِّ رَفيقٍ أَباتَكَ اللَيلُ جَنبَه كَذا خُلِقتَ وَمَن ذا الَذي يُغالِبُ رَبَّه
ومَن يُبالي بِذَمٍّ إِذا تَعَوَّدَ كَسبَه فَسَل فُؤادَكَ يا ضَبـبَ أَينَ خَلَّفَ عُجبَه
وإِن يَخُنكَ لَعَمري لَطالَما خانَ صَحبَه وكَيفَ تَرغَبُ فيهِ وَقَد تَبَيَّنتَ رُعبَه
ما كُنتَ إِلّا ذُباباً نَفَتكَ عَنّا مِذَبَّه وكُنتَ تَفخَرُ تيهاً فَصِرتَ تَضرِطُ رَهبَه
وإِن بَعُدنا قَليلاً حَمَلتَ رُمحاً وَحَربَه وقُلتَ لَيتَ بِكَفّي عِنانَ جَرداءَ شَطبَه
إِن أَوحَشَتكَ المَعالي فَإِنَّها دارُ غُربَة أَو آنَسَتكَ المَخازي فَإِنَّها لَكَ نِسبَه
وإِن عَرَفتَ مُرادي تَكَشَّفَت عَنكَ كُربَه وإِن جَهِلتَ مُرادي فَإِنَّهُ بِكَ أَشبَه
المراجع: