هذه الجملة جاء ذكرها في الحديث الشريف الذي رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن مُعلَّقَةٌ بدَيْنِه حتى يُقْضَى عنه" رواه أحمد والترمذي وحسَّنه.
- ففي هذا الحديث يحث النبي صلى الله عليه وسلم أهل المتوفى بالمسارعة في قضاء دينه إن كان عليه دين لله أو للناس، لله مثل: زكوات، أو كفارات، أو للناس فيبادر بها، وهي مقدمة على الورثة، وعلى الوصايا كلها، فالميت يبدأ بما عليه من الدين، ولا يعطى الورثة والموصى لهم إلا بعد قضاء الدين.
ولهذا لما تُوفي عبدُ الله بن عمرو بن حرام والد جابر بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغُرماء فقضى لهم دُيونهم، ثم قسم الباقي بين الورثة. والحديث صحيحٌ: رواه أحمد والترمذي بسندٍ جيدٍ.
- وقد أجمع العلماء على أن هذا الوعيد هو في حق من كان له مال، ولم يوف منه الدين، أو من استدان ولم يكن عازما على القضاء، جاء في نيل الأوطار عند كلامه على الحديث السابق: وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه، وأما من لا مال له، ومات عازما على القضاء، فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء، موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه، وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة، أخرج الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا: من دان بدين، في نفسه وفاؤه، ومات، تجاوز الله عنه، وأرضى غريمه بما شاء؛ ومن دان بدين، وليس في نفسه وفاؤه، ومات، اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة.
- فالدَّين باق في ذمة الميت حتى يؤدى عنه، وقد ورد ما يدل على أن نفس الميت تبقى معلقة بعد موته حتى يقضى عنه دينه، لذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عندما يصلي على جنازة يقول هل على صاحبكم ديّن؟ فإن قالوا لا صلى عليه وإن قالوا نعم قال صلوا على صاحبكم أو يطلب من أهله أن يسددوا عنه دينه أو يتعهدوا بسداد دينه.
-وعليه: فينبغي لأهل الميت أو وصيه -إن كان له وصي- أن يجتهد في المسارعة لقضاء الدين، وهذا التعليق تعليق مجمل، ما بين معناه، لكن يدل على شرعية المسارعة لقضاء دينه، حتى لا يبقى معلقا، وإذا لم يكن له ورثة يسددون عنه دينه يتطوع من المسلمين من يسدد عنه دينه، أو يتم مسامحته من قبل الأشخاص الذين استدان منهم.
-وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقال: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب، إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيع، ولكن أتى على يدي: إما حرق، وإما سرق، وإما وضيعة، فيقول: الله عز وجل: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء، فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته". وأخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه؛ ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله".
-وقال ابن عابدين في حاشيته: فلو قسموا التركة بين الورثة ثم ظهر دين محيط قيل للورثة اقضوه فإن قضوه صحت القسمة وإلا فسخت، لأن الدين مقدم على الإرث فيمنع وقوع الملك لهم إلا إذا قضوا الدين أو أبرأ الغرماء ذممهم، فحينئذ تصح القسمة لزوال المال فكذا إذا لم يكن محيطا لتعلق حق الغرماء بها إلا إذا بقي في التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج. كذا في قسمة الدرر.