ما معنى قوله تعالى "فبلغن أجلهن" في سورة البقرة

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٥ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الموضع الأول: في قول الله سبحانه وتعالى (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة البقرة: آية 231.

وقد ورد في تفسير ابن كثير إنه إذا طلقتم- أيها الرجال- نساءكم طلاقا رجعيا، فأوشكت عدتهن على الانقضاء، فإما أن ترجعوهن إلى عصمة النكاح عازمين القيام بحقوقهن، أو تتركونهن بلا رجعة ولا إضرار بهن، حتى تنتهي عدتهن، وقد نهى الله تعالى عن الإضرار بالنساء بأن يراجعوهن عند اقتراب انتهاء العدة؛ لئلا يتزوجن غيرهم، أو لإطالة مدة العدة، أو لابتغاء طلب الخلع حتى يفتدين أنفسهن؛ فيتجاوز هؤلاء الرجال بفعلهم هذا، الحلال إلى الحرام، ومن يفعل ذلك فقد أساء إلى نفسه، فالضرر عائد إليه، لكسبه بسبب ذلك الإثم، واستحقاقه لعقوبة الله.

وقد كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها، يضارها، فنهاهم الله عن ذلك.

- وعليه:
فالمقصود في قوله تعالى (بلغن أجلهن) في الآية الكريمة الأولى: أي أن انقضاء عدتهن قد قاربن، وشارفن منتهاها،
كما يقال بلغ الشخص مكان عمله، إذا قاربه وشارفه، فهو من باب المجاز الذي يطلق اسم الكل فيه على الأكثر.

- وجاء بعد قوله تعالى: فبلغن أجلهن (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) لأنه بإمكان الزوج أن يسرحها أو يمسكها بإحسان، وأصبح للزوج قدر من زمن العدة يبيح له أن يمسك أو يسرح، لكنه زمن قليل. إن الحق يريد أن يتمسك الزوج بالإبقاء إلى آخر لحظة ويستبقي أسباب الالتقاء وعدم الانفصال حتى آخر لحظة، وهذه علة التعبير بقوله: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي قاربن بلوغ الأجل. إن الحق يريدنا أن نتمسك باستبقاء الحياة الزوجية إلى آخر فرصة تتسع للإمساك، فهي لحظة قد ينطق فيها الرجل بكلمة يترتب عليها إما طلاق، وإما عودة الحياة الزوجية.

الموضع الثاني: وردت أيضاً في قول الله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة: آية 232.
 
- وكان لهذه الآية الكريمة سبب نزول، حيث نزلت في الصحابي معقل بن يسار رضي الله عنه فقد زوج أختا له، فطلقها الرجل ثم أنشأ يخطبها، فقال: زوجتك كريمتي فطلقتها، ثم أنشأت تخطبها، فأبى أن يزوجه وهويته المرأة؛ فأنزل الله تعالى الآية.

-والمقصود بقوله تعالى: (فبلغن أجلهن) في الآية الكريمة الثانية، فمعناه البلوغ فيها: أي الوصول إلى الغاية وإلى إتمام العدة كليا.

وهنا جاء بعد قوله تعالى: (فبلغن أجلهن (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) لأن الله تعالى يريد أن تبقى الخلافات الزوجية بين الزوجين فقط لأنهم الأحرص على العودة إلى حياتهم الطبيعية وعدم الإنفصال بينهم، أما إذا دخل طرف ثالث من أهل الزوجين فقد تتوسع دائرة الخلاف وتكبر وبالتالي قد يؤدي إلى الانفصال النهائي.

- وعليه: فإذا حصل الطلاق الرجعي بتطليقة واحدة أو بتطليقتين وأراد الزوج أن يراجعها قبل أن تنتهي عدتها ورضيت بذلك فحينئذٍ لا يجوزُ لوليِّها- ما دام قد وقَع بينهما التراضي على المعاشرة الحَسَنة، من غير وقوع منكرٍ شرعًا وعُرفًا- أن يُضيِّق عليها بمَنْعها من التزوُّج به؛ غضبًا ونفورًا منه؛ لتطليقِه لها.

- فقد نهى الله تعالى عمل الرجل الذي يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها