ما معنى قوله تعالى (فأصابها إِعصار فيه نار)؟

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٣٠ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
هذه الجملة من آية وردت في قول الله سبحانه وتعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) سورة البقرة (266).
- هذه الآية يضرب الله تعالى فيها مثلاً لمن أحسن العمل ثم بدل عمله بسوء وانعكس سيره وطريقه، وبدل الحسنات بالسيئات، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم عمله الأول من العمل الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال، فلم يحصل له منه شيء، وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال تعالى: (وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار) وهو الريح الشديد (فيه نار فاحترقت) أي: أحرق ثمارها وأباد أشجارها، فأي حال يكون حاله.
 
- حيث صور القرآن الكريم أن لهذا الرجل جنة (بستان عظيم) وفيه من الخير والنعيم من أشجار ونخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، وفيها ما لذ وطاب من الثمار والفواكه والخيرات، فأصابه الكبر والغرور بسبب هذا النعيم الرباني عليه، حتى أنه كان يمن على الفقراء فأتبع إنفاقه بالمن والأذى! وبنفس الوقت له أبناء ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فأحرق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه!!
- فتخيل هذا الإنسان عندما يصبح ويرى تلك الجنة محرقة بالكلية، فانظر كم يكون في قلبه من الغم والحسرة، والمحنة والبلية، بسبب أنه ضاع منه ذلك المال العزيز النفيس. ولأنه بقي في الحاجة والشدة مع العجز عن الاكتساب واليأس عن أن يدفع إليه أحد شيئاً. وبسبب تعلق غيره به، ومطالبتهم إياه بوجوه النفقة.
 
- فهذا مثل للكافر يوم القيامة،
إذ رد إلى الله عز وجل، ليس له خير فيستعتب، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدم لنفسه خيرا يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنة الله عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته، فيبقى لا محالة في أعظم غم، وفي أكمل حسرة وحيرة، وهذا المثل في غاية الحسن، ونهاية الكمال، فضلاً عما يتضمنه من إعجاز قرآني.

- ولذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في دعائه: "اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري" أخرجه الحاكم في المستدرك.

- وعليه:
فالقرآن العظيم يحدثنا عن حقيقة علمية وهي: أن الإعصار يسير بسرعات كبيرة ويقتلع أي شيء يصادفه. وقد وجد العلماء أن قلب الإعصار دائماً أسخن من جوانبه ولذلك فإن الحرارة تكمن في داخله وتكون سبباً في الحرائق. وقد أشار القرآن إشارة لطيفة إلى هذا الأمر وأمرنا بالتفكر فيه بقوله سبحانه وتعالى: (فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ)

- ومعروف أن الإعصار يكون محملاً بالأمطار والهواء والبرد فكيف يكون ساخناً؟!
ولكنها حقيقة علمية نراها اليوم بالصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية، ولكن القرآن قد التقط لنا الصورة الدقيقة وحدثنا عنها قبل هذه الأقمار بقرون طويلة!! فسبحان الذي حدثنا عن كل شيء ليزيدنا يقيناً بالقرآن وحباً لمن أُنزل عليه هذا القرآن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

- والإعصار هو عبارة عن عاصفة هوائية عنيفة، تتميز بغيمة مخروطية دوارة، تدور حول مساحة من الضغط الجوي المنخفض، سرعتها لا تقل عن (74) ميل في الساعة، كما يتكون من عامود من الهواء والنار، له حركة دورانية، وتتولد معظم الأعاصير النارية من حرائق الغابات، وقد لا يتجاوز مدة هذه الأعاصير عشرات الثواني، أو الدقائق، ولكن تحدث دماراً هائلاً لكل ما تلاقيه في طريقها. ومعظم أعاصير النار لا يزيد عرض لسانها الناري على ثمانية أمتار، وطوله على سعين متراً. 

- والله تعالى أعلم.