نص الحديث هو:
عن سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
الحديث رواه الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد والترمذي في السنن وغيرهما وروي من حديث ابن عمر رضي الله عنه وحسنه بعض العلماء بمجموع طرقه، ومنهم الشيخ الألباني حيث أورده في السلسلة الصحيحة.
أما معنى الحديث: فهو في المجمل يشير إلى مسألة القناعة واستشعار نعم الله وشكرها، وتحقير الدنيا وعدم الاغترار بها.
أما شرح الحديث على التفصيل:
فالنبي عليه الصلاة والسلام يخبرنا ويذكرنا أنه من تحققت له ثلاثة نعم فكأنما حصلت له كل نعم الدنيا، وهذه النعم هي:
1. أن يصبح آمناً في سربه: وهي إشارة إلى نعمة الأمن.
وقد اختلف في معنى سربه: فقيل: نفسه، وقيل: جماعته، وقيل: طريقه ومسلكه، وقيل بيته.
والمعنى يشملها كلها لأن المقصود هو التنبيه على نعمة الأمن وعدم الخوف، فالمعنى: من أصبح في يومه وهو لا يخاف عدواً ولا تهديداً بل هو آمن النفس مرتاح البال سواء في بيته أو طريقه على نفسه وعياله، فهذه نعمة عظيمة ولا شك.
وقد امتن الله بهذه النعمة على عباده في أكثر من موضع في كتابه:
قال تعالى في سورة الأنفال (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)
وقال تعالى في سورة النحل (وضرب الله مثلاً كانت آمنة مطمئنة...).
2. معافى في جسده: وهي نعمة الصحة والعافية في البدن من الأمراض والأسقام الظاهرة والباطنة.
فهو بحمد الله لا يحتاج غيره يساعده في نهوض أو قيام أو قضاء حاجة، يمشي على قدميه معافى سليماً لا يؤلمه شيء، وهي نعمة عظيمة.
كما جاء في الحديث عن العباس بن عبد المطلب (قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ قال سلِ اللَّهَ العافِيةَ، فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي: يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ)
ومن العافية في الدنيا المعافاة من الأمراض والأسقام.
3. تحصيله قوت يومه: فعنده ما يأكله من الحلال في يومه وما يشبعه، فهو فلا يحتاج غيره ولا يضطر إلى سؤال الناس، بل كفاه الله رزقه هو ومن ينفق عليهم، وهي نعمة عظيمة أيضا وهي الرزق الحلال.
كما امتن الله على قريش في قوله (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4))
فهذه النعم الثلاث هي أصول النعم في الدنيا وأساسها: نعمة الأمن وراحة البال، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة الرزق الحلال الكافي.
لأن من فقد نعمة الأمن فهو في خوف وابتلاء، أو نعمة الصحة وابتلي بالمرض، أو نعمة من الرزق فلم يجد ما يأكل ويكفيه قوت يومه، فهو مبتلى.
أما من حصل هذه النعم فقد حصل ما يكفيه ويبلغه في دنياه وما زاد على ذلك فهو من فضلات الدنيا وكمالياتها التي قد لا تضر ولا تنفع.
فمن فهم هذا المعنى ووقر في قلبه أورثه القناعة والزهد في الدنيا ودفعه إلى شكر الله على نعمه وفضله وآلائه التي قد لا يستشعرها إلا من فقدها.
وهذا كله في الحديث عن نعم الدنيا وحاجاتها، أما نعمة الدين والهداية فهي أعظم النعم وأعلاها وأفضلها.
والله أعلم