نعم فالشمس لها كل يوم تطلق فيه مشرقاً يختلف عن اليوم الذي يليه وكذلك لها مغرب تختلف فيه عن اليوم الذي يليه، فكل يوم لها مشرق ومغرب يختلف عن اليوم الثاني وهكذا على طوال السنة، لهذا جاءت المشارق والمغارب بلفظ الجمع في بضع الآيات.
وإن كانت جهة الشرق واحدة في الأصل إلا أن شروق الشمس منها ليس من موضع واحد وإنما لها في كل يوم في السنة شروق من موضع معين، وكذلك الغروب.
والشمس لها مشرقان مغربان: مشرق في الصيف ومشرق في الشتاء ومغرب في الصيف ومغرب في الشتاء.
- فمشرق الصيف وهو أعلى مشارق الشمس: هو موضع شروقها في أطول أيام السنة وهو يوم الواحد والعشرين من حزيران، ومغرب الصيف هو موضع غروبها في ذلك اليوم.
- ومشرق الشتاء وهو أخفض مشارق الشمس: هو موضع شروقها في أقصر أيام السنة وهو يوم الثاني والعشرين من كانون الأول، ومغرب الشتاء هو موضع غروبها ذلك اليوم.
فالشمس من مشرقها في أخفض نقطة لها في الثاني والعشرين من كانون الأول، تبقى ترتفع كل يوم حتى تبلغ أعلى مواضع شروقها في الحادي والعشرين من حزيران، ثم تبدأ تنخفض حتى تعود إلى أخفض نقاطها في الثاني والعشرين من كانون الأول.
والغروب على العكس من ذلك.
لذلك جاء في القرآن التعبير عن المشرق والمغرب مرة إفراداً ومرة تثنية ومرة جمعاً.
- فالإفراد: باعتبار جنس جهة الشروق والغروب فيشمل كل المشارق والمغارب، كقوله تعالى (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا).
- والتثنية: باعتبار مشرق الصيف والشتاء ومغرب الصيف والشتاء، كقوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين).
-والجمع: باعتبار مشرق الشمس في كل يوم ومغربها كل يوم، كقوله تعالى (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إن لقادرون).
قال ابن كثير رحمه الله:
"(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) يَعْنِي: مَشْرِقَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَمَغْرِبَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَتَنَقُّلِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَبُرُوزِهَا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا). وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ".
والله أعلم