موضوع التنمر موضوع هام جدا يعاني منه الكثيرين، وهو أمر متداخل في مواضيع أخرى كثيرة.
أذكر أن الشيخ الشعراوي رحمه الله قال في إحدى محاضراته الدينية أمرا بما معناه، أن الله تعالى قد أعطى كل شخص منا أربع وعشرون قيراطا، وموزعة على الخلق بعدة أشكال، فهي موجودة عندك في مكان مختلف عن مكان وجودها عندي أو عند الآخرين، كلنا مصابون بابتلاءات ومغمورين بالنعم، لدينا أشياء جميلة وأخرى قبيحة، فليس هناك شخص أفضل من الآخر، إلا أننا في أنفسنا وفيما نمتلك وما لا نمتلك مختلفون، لم يظلمنا خالقنا، إنما جميعنا متساوون. كما أنه أعطانا القدرة على الاختيار في بعض الأمور.
والأمر الآخر الأخلاقي والديني والذي لا يلتزم به بعضنا بكل أسف، هو أسلوب المعاملة، فتجد بعضنا يسيء معاملة الآخرين. إن التزامك بالعبادات كالصوم والصلاة وباقي الشرائع، هو أمر تقوم به لنفسك، وإن سهوت عن أحدها وطلبت المغفرة من الله تعالى، فإنه يغفر لك ذنبك. لكن في معاملتك للناس إن قمت بإيذائهم، ولم يسامحوك على أذيتك لهم، فإن الله لن يسامحك كذلك، لهذا تجد الأديان جميعها تحث على المعاملة الحسنة، وعلى عدم التسبب لهم بأذى والحقد عليهم ومضايقتهم والتنمر عليهم.
إن التنمر بالإجمال العام هو سلوك عدائي، وهذا السلوك العدائي يمكن أن يكون على هيئة سلوك عداء جسدي أو عداء لفظي أو عداء جنسي، ويمكن أن يكون نوع من أنواع التمييز، سواء كان التمييز العنصري أو الطائفي أو غيره من أشكال التمييز.
فالتنمر على وجه العموم هو سلوك عدواني يمارس عادة من قبل فرد قوي على فرد ضعيف، أو من قبل مجموعة اتجاه فرد، أو تمارسه مجموعة قوية على مجموعة ضعيفة، وهذا طبعا يعتبر من الاعتلالات النفسية الاجتماعية التي يجب أن تسلط عليها الأضواء. ومعظم الدراسات تقول إن حوالي 60% من الذكور قد تعرضوا إلى نوع من أنواع التنمر خلال فترات حياتهم، و 40% من الإناث تعرضن لنوع من أنواع التنمر خلال فترة حياتهن. وعلى صعيد طلاب المدارس نرى أن 25% من طلاب المدارس الابتدائية قد تعرضوا إلى نوع من أنواع التنمر و 10% من طلاب المدارس الثانوية تعرضوا له.
وهناك نوع حديث من أنواع التنمر ألا وهو التنمر الإلكتروني الذي يمارس عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسائل الإلكترونية اتجاه فرد أو اتجاه مجموعة من الأفراد، وهذا يظهر أن التنمر يمكن بالإجمال العام أن يكون في كل مناحي الحياة. فيمكن أن يكون تنمر على صعيد المنزل والأسرة، ويمكن أن يكون على صعيد العمل ويمكن كذلك أن يكون تنمر على صعيد المجتمع وغيره.
طبعا عادة ما يكون الشخص الذي يمارس التنمر قد تعرض لحالة من التنمر خلال فترة من فترات حياته السابقة، وهو الآن نوعا ما، يعكس ما تعرض له. فوجود نوع من أنواع الصرعات المنزلية أو وجود نوع من أنواع عدم الاستقرار الأسري، تخلق لدى الفرد الرغبة في التنمر والرغبة في تفريغ هذه الصراعات النفسية على الآخرين، أيضا وجود بعض الاضطرابات في الشخصية والإدمان أو إساءة استخدام بعض المؤثرات العقلية، قد تؤدي إلى حالة من التنمر التي تمارس ضد الآخرين.
كذلك حالة من الحرمان الاقتصادي والحرمان الاجتماعي والحرمان العاطفي لدى الأفراد ما يدفعهم احيانا الى التنمر كحاله تعويضيه، وبالطبع هذا السلوك يؤثر على المجتمع. وأحيانا يكون التنمر أحد الأسباب الفعلية للهجرة، فتعرض بعض الأفراد لحاله من التنمر في المجتمع الذي يعيشون فيه ممكن أن يدفعه إلى أن ينتقل من محافظة إلى أخرى أو من بلد إلى بلد آخر بسبب التعرض المتواصل لحاله التنمر.
أيضا على صعيد العمل فإن التنمر ضد بعض الأشخاص، يمكن أن يؤدي إلى أن ينعزل هذا الإنسان أو الموظف عن العمل وبناء على ذلك يتأثر نفسيا ويتأثر اقتصاديا.
إن سلوك التنمر نوعا ما ينم عن حاجة نفسية للشخص المتنمر وللشخص الذي يقع عليه التنمر، فكلاهما صاحب حاجة نفسية يجب أن تقيم من قبل اختصاصي، بحيث يقوم على توجيه كلاهما إلى الطريقة المثلى في التواصل والتفاعل البناء مع الآخرين.