ما سبب ميلنا لقراءة الروايات النفسية والفلسفية رغم زخامتها في الغالب؟

2 إجابات
profile/ندى-ماهر-عبدربه
ندى ماهر عبدربه
Dental hygienist
.
١٩ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 لطالما كانت الروايات الشرفة الذي يطل من خلالها القارئ على عوالم مختلفة، والتي شكلها الكاتب عبر أفكاره وكلماته، ليهتد إلى عالمها كل من يبحث عن أرواح تشبه روحه، ويطوف معها في خبايا القصص المشوقة التي تنبض بالخيال، فتلامس نفحات سحرها قلوب القراء وتجعلهم يهيمون في كلماتها.

ربما في بعض الأحيان تقرأ رواية وتحديداً (الروايات الفلسفية) وتنتزع الشغف المدفون بين طيات فؤادك، وتضع أحبار كلماتها على أوراق أفكارك، تحوم أطياف شخصياتها حولك وتنغمس في تفاصيل الحروف التي تجردك من الواقع وتجعلك تقف على أعتاب بوابة روحك تنظر من خلالها إلى مشاعرك ودوافعك النفسية التي اقتبستها من خلال الشخصيات المبحرة بين يديك، تارةً تجد نفسك تواجه صراعاتها وتحس بمشاعرها وتراودك تساؤلاتها، وتارةً أخرى تجد نفسك تسرد الأحداث بصورة تعبر عن التساؤلات الفلسفية التي تعلقت بحبل أفكارك وجعلت الغموض يكتنف أرجاء ذهنك.
 
 لكن وبالرغم من تضارب قالب الروايات الفلسفية، واحتوائها على بعض التناقضات وكثافة مادتها إلا أنها تحتوي على فكر غني بالمعرفة وآراء إبداعية محملة بشغف الكاتب وأسلوبه المبتكر.

ولعل السبب وراء انجذاب القراء إلى الروايات الفلسفية واندفاعهم نحو ترجمة كلماتها هو قدرتها على عرض أفكارهم ومكنونات أرواحهم العميقة التي تختبئ وراءها الكثير من المشاعر والتي يترجمها الفرد على شكل تصرفات واندفاعات غير مفسرة، ببساطة إن الروايات النفسية والفلسفية برأيي تستطيع بسهولة أن تجسد تفاصيل عالم الفرد الداخلي وتصور مشاعره عبر صدى صوت الحقيقة.

إن قراءة الروايات الفلسفية والنفسية، يساعد الفرد على الغوص في عوالم الكلمات والحروف وترجمة مشاعره ومعتقداته عبر فهم تصور الكاتب وأفكاره ومواضيعه الفلسفية، بحيث يجسد الكاتب من خلالها العديد من المواضيع التي تناقش الحياة المجتمعية للأفراد بصورة فلسفية تتمثل عبر الشخصيات وتفاصيل حكايات أقدارها.

ومن هذا المنطلق خرجت للنور العديد من الروايات الفلسفية والنفسية التي تحاكي موضوعات فلسفية عميقة تجسد العديد من الحجج المعقدة التي مثلت عبر كلمات هذه الروايات وصورتها عبر شخصياتها.
ولعل أبرز هذه الروايات:
 

-أليس في بلاد العجائب
طالما سردت علينا خلال مرحلة الطفولة حكاية الفتاة التي لحقت الأرنب المستعجل نحو عالم العجائب، وهناك غرقت في عالم الخيال وتنقلت بين تفاصيله.
هذه الرواية الغامضة والمشوقة كتبت في القرن التاسع عشر على يد الكاتب لويس كارول الذي استطاع من خلالها أن يجسد مذهب العبثية في الأدب ويقلب موازين الواقع رأساً على عقب، الشيء الذي جعل القارئ يعيش مع الشخصية ويشعر بتفاصيل رحلتها، لذلك اعتبرت هذه الرواية من أشهر الروايات عبر التاريخ.

-الجريمة والعقاب
برأيي تعتبر رواية الجريمة والعقاب للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي من أهم الروايات الفلسفية التي استطاعت أن تعبر عن الصراع بين الخير والشر وتكتشف المفاهيم النفسية التي تختبئ بداخل الفرد وتظهر بوضوح عند اشتداد ضربات الواقع على روحه،  مما يجعل القارئ يبحر مع الشخصية في رحلة سرمدية تبدأ بالوهم وتنتهي بالندم الذي يبقى معلقاً بروح الشخصية الرئيسية.

-المحاكمة
من المؤكد أننا لن نتحدث عن الروايات الفلسفية دون أن نذكر اسم الكاتب فرانز كافكا.
الكاتب الذي استطاع أن يتطرق إلى العديد من المواضيع الفلسفية والنفسية عبر استنباط شخصيات روايته من سوداوية روحه.
عبر كافكا من خلال روايته عن صور الاضطهاد والاغتراب الذي يتعرض له الأفراد في البيئة الديكتاتورية الغير العادلة، حيث صور العديد من المشاعر وتفاصيل النفسية والفلسفية عبر الشخصيات التي حملت على عاتقها شعور الندم على الرغم من عدم اقترافها لأي ذنب يذكر.

تلك الرواية تجعل القارئ يبحر في عالم الحرية المقيدة بسلاسل الظلم، وتمكنك كلماتها من لمس تفاصيل حكاية الشخصيات بكل شفافية.

من وجهة نظري إن الروايات الفلسفية والنفسية تفتح للقارئ أبواب عديدة تقوده نحو اكتشاف كنوز المعرفة والإبحار داخل روحه وترجمة تفاصيل أفكاره المتجسدة في تصرفاته، لذلك يميل الأفراد إلى قراءتها والتعمق في تفاصيل كلماتها المبعثرة في كتاب يتصف بزخامة أوراقه، والتي يعبر عبرها القارئ في رحلة ترسوا سفينتها على ميناء المعرفة. 

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة
profile/بتول-المصري
بتول المصري
بكالوريوس في آداب اللغة الانجليزية (٢٠١٨-٢٠٢٠)
.
٠٢ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 
     ترانا حقًا دائمًا ما نميل للمؤلفن الذين يتعمدون كشف الذات البشرية بتفاصيلها داخل أعمالهم. تلك التفاصيل التي غالبًا ما نخجل من البوح عنها حتى لأنفسنا. ترى الأمور النفسية ومعضلاتها العميقة مذكورة كثيرًا في أعمال الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي. وكذلك الكثير من الأفكار الفلسفية في أعمال الكاتب ميلان كونديرا


     دعني أحدثك عن الرواية النفسية في كتاب "مذكرات من منزل الأموات" لـ دوستويفسكي. يمكنك أن تشعر بمشاعر السجين التي يصفها الكاتب، كيف يعاني ويقاسي. وذلك ليس من منظور واحد، بل لعدة شخصيات داخل ذات الجدران الأربعة. يجعلك تتصور كيف يتسلى المساجين بخلق فنون خاصة بهم. تراهم يبدعون بالشتائم وبخلقها من اللامكان. وقدراتهم العجيبة التي تستمر بالتطور بسرقة الأشياء الصغيرة وإخفائها بمهارة، وكذلك المتاجرة بها. يصف لك دوستويفسكي مشاعر السجين حين يملك شيئًا، كيف يستلذ بتلك الأمور البسيطة. 


     وكذلك الأمر في روايته الأخرى "رسائل من تحت الأرض". حيث يصف فيها رجلًا منعزلًا كثير المرض، وشديد الوحدة. يقوم بكتابة مذكراته بهدف اختبار قدرته كبشري على أن يكون صريحًا مع ذاته. لم يكن ينتظر أحدًا كي يقرأها. وصف كل السوداوية الموجودة في داخله، وأعطى كل ما يكره أسوأ الصفات وقذفها بأبغض الشتائم. كل تلك الأمور التي كان لا يمكنه البوح بها خارج أوراقه. 


     ملأى هي أعمال دوستويفسكي بالتحليل النفسي، وأكاد أقول أن لا عمل له يخلو منها. ودائمًا ما كان دقيقًا رائع الوصف. وإن كان لهذا سبب فهو ما حمل داخلة من شدائد وملذات طوال حياته، واستطاع تفريغها بواقعية وتفاصيل دقيقة على الورق.


     أما فيما يخص الرواية الفلسفية، ولعل أول ما يخطر ببال أي شخص هي رواية "عالم صوفي" لكاتبها جوستاين جاردر. والتي عرضت بكل بساطة تاريخ الفلسفة بأسلوب رائع. 


     يميل الكثير من كتاب هذا النوع من الروايات إلى رفض تسمية رواياتهم بالفلسفية. وأولئك أمثال ميلان كونديرا و أمبرتو إيكو. فيما يخص كونديرا مثلًا فإن رواياته تأخذ شكلًا مميزًا عن الآخرين، أي أنها لا تظهر بالمظهر التقليدي المعتاد. حيث ترى الكاتب قد تدخل بأحداث الرواية بشكل مفاجئ ليضيف رأيًا فلسفيًا خاصًا، ويعتبر نفسه كأنه أحد شخصيات العمل. وذلك أسلوب غير مألوف أبدًا.


     من أكثر الأمور الرائعة التي تحويها الرواية الفلسفية هي الصدمة. حيث تجبر القارئ على أن يرى الأمور من زوايا أخرى لم يفكر بها سابقًا. وتعطي الحياة عمقًا آخرًا غير مألوف. فتراه أصبح يجأ أن يتمادى في أفكاره ومشاعره، وتحمله إلى مستوى آخر تمامًا. بذلك نجد أن الرواية الفلسفية هي أداة تكسير للروتينية والعادية، وأسلوب جديد لنظرة جديدة.


     تميل الروايات النفسية للعاطفة، ربما تغرقك بالحزن، وربما تجعل السوداوية تغطي يديك الممسكة بالصفحات. وكذلك الأمر مع الروايات الفلسفية التي يملأها الجانب العقلي، فإذا هي أقرب ما تكون للتجريد. ورغم الاختلاف الظاهر بين النوعين، إلا أن كلاهما يشدان القارئ، ويملآنه شجاعة في قراءة ما لا يجرؤ على البوح به.