ما دور حرية الصحافة داخل المجتمع، وأين تكمن حدودها؟

1 إجابات
profile/دانية-رائد
دانية رائد
باحث في العلوم الإنسانية في Freelance (٢٠١٧-حالياً)
.
٢٠ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
     لقد أدى تقنين الآراء وأصوات الشعوب التي تصرخ بالحقائق والآراء المطالبة بالحقوق لثورات مثل الثورة الفرنسية، وأدت لسقوط حكم البلافشة في روسيا ليتأسس الاتحاد السوفييتي الذي رفع شعار الحقيقة للجميع وأسس ما يقارب الـ 7 صحف ليؤكد اهتمامه بنشر الحقيقة بشفافية. لكن الاتحاد السوفييتي لم يكن حقًا بهذه الشفافية مع الشعب، فقدر كبير من الحقيقة والحقائق تم إخفاؤه لعدة عقود، مما أدى في وقت لاحق لسقوطه أيضًا.

     من الحقوق الأساسية التي أكدت أهميتها العديد من الديانات السماوية والمنظمات الحقوقية الإنسانية هو حق التعبير الفرد عن رأيه وتلقي الحقائق من دون انصباغها بالمصالح الشخصية للطبقات التي يقع تحت كاهلها ثقل المسؤولية اتجاه الأفراد. فوظيفة الصحافة الأساسية هي عرض الحقائق بشفافية على الجمهور لكي يكونوا قادرين على تكوين الآراء وصنع المواقف الخاصة بهم اتجاه القضايا المختلفة.

     فبمعنى آخر الصحافة هي العجلة التي تدفع المجتمعات على تكوين بنيتها، وتصنع حبل الوصل بين الحكومات والشعوب، ومنها تصدر الرقابة الشعبية على الأفعال والمهام التي تقوم بتأديتها السلطات، فالصحافة تدفع الجهات المسؤولة على تحمل مسؤولية القرارات التي تم اتخاذها أو تلك التي لم يتم اتخاذها.

     تذكر معي عدد القضايا التي تم التعامل معها بشفافية دون دخول أيدي خفية بسبب دور الصحافة في نشر القصة، مما أدى إلى تكون رأي عام وغضب شعبي يطالب بالمحاسبة القانونية والتدخل من السلطات لتحمل المسؤولية. فَكمٌ كبير من الخارجين عن القانون تم محاسبتهم بصلابة وبشراسة للقضايا المروعة التي أثرت على صَفُو المجتمع وتركيبه لعرض الصحافة لأفعالهم الشنيعة.

    ولعل مساحة النقد والمحاسبة للشخصيات التي تتولى المناصب العامة نطاقها أوسع وأفسح؛ فالأدوار والوظائف الحكومية مثلًا ينشأ عنها قرارات وأعمال تؤثر بالفرد والشؤون العامة بشكل مباشر، وتمتلك الصحافة الحق الكامل في إخضاع هذه الشخصيات للمحاسبة والانتقاد دون الخوف من إسكاتها أو من التعرض للملاحقة القانونية.

   بشكل عام تتوقف حرية الصحافة عندما يصبح الهدف منها شخصيًا لغايات التشهير؛ فبمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948، نصت المادة 19 على: " لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار. وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
 
   
فبإمكاننا اعتبار أن الصحافة تعدت الحدود المسموحة لها التي حفظتها المنظمات الحقوقية باللحظة التي تتعدى فيها:

* سمعة وسلامة الآخرين وحرياتهم وخصوصيتهم؛ كالذي يقوم به بعض المصورين الصحفيين الذين يطاردون النجوم (paparazzi) ويتعدون على خصوصيتهم ومساحتهم الخاصة.

* النظام العام؛ كأن تتعدى الصحافة على القوانين والتشريعات التي وضعت لحماية المصلحة الأساسية للجماعة.

* الأمن القومي؛ كالتشجيع على القيام بسلوكيات إرهابية متطرفة تعرض جميع مؤسسات المجتمع للخطر.

* الأخلاق؛ كأن تقوم الصحافة بعرض موضوع أو مشكلة معينة دون الاهتمام لمشاعر الأفراد والأخلاق العامة المتعارف عليها بين أفراد المجتمع.

     فإذا كانت طريقة عرض الصحافة للحقائق ومواجهتم لأصحاب القرار الذين يتحملون المسؤولية يعتبرها غالبية المجتمع طريقة مقبولة، تعرض بشكل فني وأدبي لا يخلو من صفة الجدية، ولا يتعرض بأي طريقة للقوانين الجنائية المقررة، تكون الصحافة آنذاك تقوم بعملها بأكمل وجه دون تعدي الحدود المسموحة.

      ولعل الانفتاح السياسي التي مرت به الدول بعد الحرب العالمية الثانية وبعد صدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان قد ساعد على توسيع نطاق حرية التعبير لدى الفرد والصحافة، مما جعل مناقشة المواضيع الحساسة المؤثرة بجودة حياة الأفراد كالفساد والانحراف الاجتماعي أكثر انفتاحًا وجرأة، لكن البعض للأسف قد استغلوا هذه الحرية لتكوين محتوى إخباري يطغى عليه الحماسة والإثارة التي دفعتهم إلى التخلي عن الأخلاق المهنية والوصول لدرجة من الانحطاط لمجرد تحصيل عدد مشاهدات وردود فعل معينة.

     بالنهاية حرية الرأي وتعبير والديمقراطية لا تشترى ولا تستورد، فهي تبنى من أساس خيارات الشعوب ورغباتهم، ليكس الذين امتهنوا الصحافة هذه الحريات مع حفاظهم على قدر من المسؤولية والأخلاق والالتزام في القيام بمهمتهم النبيلة.