ما دام قد جاءها الخاطب الكفء لها فلا يجوز لوالدها منعها من الزواج ويجب عليه تزويجها ما دام رضيت به ولم يوجد فيه علة تمنع من تزويجه ، ومنعه لابنته من الزواج وطرده الخطاب يسمى ( عضلا ) يأثم به الوالد ، وتسقط ولايته عليها في الزواج ويسقط اشتراط موافقته ، وينتقل الحق في التزويج إلى من بعده من الأولياء كالجد أو الأخوة والأعمام ، فإن رفضوا جميعا تزويجها متابعة لوالدها وموافقة له رغم عدم وجود مبرر شرعي مقبول لذلك ، فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي وتنتقل ولايتها إليه ، وهو يباشر تزويجها بدون موافقة والدها العاضل .
وعند جمهور الفقهاء تنتقل الولاية من الأب إلى القاضي المسلم مباشرة ولا دخل لباقي الأولياء ، تعظيما لشأن الزواج وتسهيلا عليها ، ولأن الغالب أن باقي الألياء يرفضون التزويج رفض الأب .
وذهب الشافعية أنه يحكم بفسق الأب الذي يتكرر عضله لابنته ثلاث مرات وتسقط إمامته في الصلاة عند بعض العلماء .
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ( البقرة ، 232 )
روى البخاري عن الْحَسَن أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَفًا فَقَالَ خَلَّى عَنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لِأَمْرِ اللَّهِ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومعنى العضل : منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل واحد منهما في صاحبه...
وسواء طلبت التزويج بمهر مثلها أو دونه ، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد . وقال أبو حنيفة : لهم منعها من التزويج بدون مهر مثلها...
فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلا لها.
فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلا لها "
أما حياء البنت وعدم إبدائها رأيها بالموضوع ، فالأمر يرجع لها في ذلك ، ولكن الأولى والأحسن لها أن تواجه أباها في ذلك ، فإن أصر طلبت تدخل من تثق به من أوليائها ممن قد يقنع والدها ، فإن لم يوجد أحد فلتطلب من القاضي تزويجها ، وهذا وإن كان قد يجر لها مشاكل ولكنه أخف مفسدة من بقائها دون زواج حتى تكبر وتفوتها فرصة الزواج .
والله أعلم