مما يدل على مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق:
أنه عندما ظهرت للمسلمين أثناء حفر الخندق كدية: وهي قطعة صلبة من الأرض بين الحجارة والطين) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به فنضح الماء على تلك الكدية فنهالت وعادت كالكثيب (الكثيب: الرمل ينهال ويتساقط من لينه).
وهناك أكثر من رواية تؤكد ذلك وكلها في صحيح البخاري منها:
الرواية الأولى: عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب (التعب) والجوع، قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة) رواه البخاري.
الرواية الثانية: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية (قطعة غليظة صلبة لا تعمل فيها الفأس) شديدة فجاءوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر (مربوط عليه حجر من شدة الجوع)، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب في الكدية، فعاد كثيبا (رملا) أهيل (يسيل ولا يتماسك) رواه البخاري.
الرواية الثالثة: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: بسم الله، فضرب ضربة، فكسر ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد.
- فهذه الروايات تؤكد لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شارك أصحابه في حفر الخندق الذي أشار على النبي بحفره الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه.
- واستمر حفر الخندق مدة ستة أيام، وكان طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه لا يقل عن سبعة أذرع، ومع قلة وبدائية الوسائل المستخدمة في الحفر، ولم تستطع خيل المشركين اقتحامه، مما يدل دلالة واضحة على عِظمه واتساعه، حتى أن المشركين أخذوا يدورون حوله، يتحسسون نقطة ضعيفة، لينحدروا منها، لكنهم لم يجدوا، فأخذوا يناوشون المسلمين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحرسون خندقهم ويتطلعون إلى جولات المشركين، ويرشقونهم (يرمونهم) بالنبل، حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه، وأقاموا على ذلك بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار، ثم أنزل الله تبارك وتعالى نصره ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأعزّ جنده، فهبت ريح شديدة على المشركين، فقلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وزلزلت نفوسهم، وأوقعت الرعب في قلوبهم، وردّهم الله بغيظهم، وحرّم عليهم أن يغزوا المؤمنين بعدها، وقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه بعد انتهاء غزوة الأحزاب: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم) رواه البخاري.
- وعليه: فقد حصلت غزوة الخندق (الأحزاب) في شهر شوال من العام الخامس للهجرة النبوية، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم بها، كما شارك في حفر الخندق الذي كان مانعاً من دخول قريش ومن تحزبت معهم من دخول المدينة، حتى رجعوا مهزومين بسبب الريح التي أرسلها الله تعالى عليهم فاقتلعت خيامهم من جذورها.