من الطبيعي أن تميل النفس إلى ما تحبه من طعام، أو لباس، أو سلوك، أو حتى رائحة. فالكثير من الناس تلفتها الروائح الغريبة كالتراب والبنزين وما إلى ذلك، وأما بالنسبة لمحبي الكتب؛ فتراهم يستنشقون رائحة الأوراق القديمة بلهفة كلما سقطت بين أيديهم. ربما تتساءل عن السبب وراء هذا الحب، أو عن ما يخطر ببالهم تجاه هكذا رائحة.
أولًا لنبحث في سبب ميل الناس للرائحة، حيث أن هنالك دراسات أُجريت حول رائحة الكتب من نواحي كيميائية. إن ما يتسبب في الروائح هذه حقًا هي المواد المستخدمة في صناعة الكتاب من حبر وورق وصمغ، ومع مرور الزمن على هذه تبدأ بالتحلل وإنتاج مواد عضوية. وتنتج الروائح من المركبات العضوية المتطايرة والتي هي مواد كيميائية تتبخر في درجات حرارة منخفضة مع مرور الزمن عليها(1).
ثم تبعًا لأن الورق مصنوع من لحاء الشجر، والتي تحتوي على مواد مثل اللجنين والسليلوز، تتكسر هذه بدورها مع مرور الوقت وتنتج مواد عضوية تشبه رائحتها رائحة اللوز والفانيليا(2). بالإضافة إلى أن بعض العينات من الناس الذين خضعوا للدراسة السابقة كانوا يصفون الروائح بأنها تشبه القهوة والشوكولاتة. لذا يبدو أن هذه الروائح اللطيفة التي نستشعرها هي أول سبب لانجذابنا بلهفة للكتب القديمة.
أما فيما يخص ما يخطر ببالنا أو ما نشعر به عاطفيًا فغالبًا هي الذكريات التي تُستحضر مع هذه الروائح التي نربطها لا شعوريًا بها، وذلك الشعور الذي يذكرنا بالماضي ويصوّر لنا ما مرّ به هكذا كتاب منذ زمن. "فملاحظة الروائح ليست مجرد وسيلة لمعرفة مكانك - إنها أيضًا وسيلة للوصول إلى ذكريات منسية منذ زمن طويل. تقول صاحبة إحدى الدراسات حول روائح الكتب القديمة ماتيجا سترليتش لموقع Popular Science: "إن حاسة الشم لدينا قريبة جدًا من مركز الذاكرة في دماغ الإنسان، وبالتالي فإننا غالبًا ما نربط الذكريات ببعض الروائح بقوة وبقوة شديدة". "في كثير من الأحيان ، تثير الرائحة ذكريات قديمة لم نتمكن بطبيعة الحال من إثارتها. إنه أحد الأسباب التي تجعل الرائحة تلعب مثل هذا الدور المهم في كيفية تجربتنا للتراث"." (3)
وبغض النظر عن كل المحاولات والدراسات حول هذه الرائحة، إلا أن ما يهم حقًا هو الحصول عليها. فتخيل لو تمكنّا من امتلاك هذه الرائحة في علب زجاجية، نرشّها كلما احتجنا إلى قراءة كتابٍ جديد يخلو من أي رائحة للقِدم، فكيف ستكون هذه التجربة؟