الحكمة من ذلك لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، وهذا يؤدي إلى زرع العداوة والبغضاء بين الناس وفي هذا ضرر وخطر عظيم.
وتفصيل ذلك:
القمار: يعني المخاطرة من قولهم قمرته إذا غلبته، وهو يصدق على كل معاملة يربح فيها أحد الطرفين ويخسر الآخر.
قال أبو البقاء في الكليات في تعريف لعب القمار:"كل لعب يشترط فيه – غالبًا - أن يأخذ الغالبُ شيئا من المغلوب، فهو قمار".
وقال ابن تيمية رحمه الله في تعريف القمار بشكل عام: "أن يؤخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة: هل يحصل له عوضه أو لا يحصل".
فالقمار لا يكون في اللعب فقط بل قد يكون في معاملة بيعية وهو إحدى صور بيع الغرر، ومثاله التأمين التجاري في عصرنا عند جمهور المعاصرين، لأن أحد الطرفين في هذه المعاملة يكسب والآخر يخسر.
ولعب القمار له عدة صور وليست صورة واحدة، فمنه ما يجري بالنوادي الليلة حيث يتم القمار على مبالغ مالية يأخذها أحدهم بمجرد الحظ اعتماداً على آلة مخصصة لهذه الأغراض، ومنها المراهنات التي تتم على أحداث معينة كفوز أحد أفرقة كرة القدم، ومنها لعب الورق (الشدة) على شرط أن يدفع المغلوب للغالب مبلغاً معيناً، أو اللعب بالشطرنج على أن يدفع المغلوب للغالب.
أما الحكمة من تحريم القمار بجميع صوره فهو لأنه قائم على أكل أموال الناس بالباطل ولو كان ذلك برضاهم.
فإن الأصل أن البيع والتبادل المالي يقوم على المعادلة والتوازن بحيث يكسب كل طرف في تلك العملية التبادلية، ففي البيع يكسب التاجر الثمن والمشتري السلعة، وفي الإجارة يكسب المؤجر الأجرة والمستأجر المنفعة، وقس على هذا في جميع التبادلات المالية المباحة.
أما في القمار فإنه قائم على غلبة أحد الطرفين للآخر بحصول أمر يكسب فيه أحدهما المال ولا يربح الآخر شيئاً، وإذا كان ذلك لعباً مجرداً فإنه نوع من العبث والسفه بدفع مبلغ من المال لأجل حركة آلة أو فوز فريق أو لعب شدة، فدفع مبلغ من المال لأجل هذه الأمور سفه ولو كان برضا صاحبه.
ثم إن هذا الأمر يورث المغلوب عداوةً وبغضاء للغالب ونزاعاً ورغبة في غلبته وقد يتطور الأمر إلى خصومة وأذى ومحاولة انتقام وأكل مال الغالب بأي طريقة، خاصة إذا شعر أن هناك ظلماً أو خداعاً في الأمر.
وقد بين الله تعالى هذه الحكمة في قوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة، 90).
ولم تبح الشريعة دفع المال في اللعب إلا في ثلاث أنواع وهي في المسابقة في رمي السهام أو المسابقة على الخيول أو المسابقة على الجمال، كما جاء في الحديث (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)
فهذه الأمور أباح النبي المسابقة فيها لأنها كانت أدوات الحرب في زمنهم ففيها منفعة، وقاس عليها العلماء أدوات الحرب في زمننا، ووسع ابن تيمية الباب ليشمل كل مسابقة فيها مصلحة للدين.
وعند جمهور العلماء لا يجوز أن يكون الدفع من الطرفين في هذه المسابقات، وإنما من أحدهم أو من طريف خارجي، وأباح ذلك ابن تيمية رحمه الله.
والله أعلم