في البداية، أود أن أنظر لموضوع الحجر الصحيّ بطريقة إيجابية. حيث وجدت به ضالتي، وقمت بأعمالٍ أعتبرها مميزةً في حياتي.
لطالما كنت تلك المرأة العاملة، التي لا تجد الوقت حتى لتحُّكّ رأسها. فمن عملٍ يستوجب أن أنهيه في المدرسة أو في المؤسسة التي كنت بها، إلى ملاحقة طفلتي لتدريسها؛ فهي في المرحلة الأساسية الدُنيا، وتحتاج للكثير من المتابعة والعناية حتى لا تفلت زمام الأمور. ولا ننسى الأعباء الاجتماعية؛ من زيارة الأقارب، ومجاملة المحبين، إلى متابعة المرضى منهم، وتهنئة الناجح، والتربيت على من فشِل. حقًّا إنها أمور مهلكة! لذا وجدت الحجر الصحي نقطة تركيز على محاور الرحى التي كنت أدور في ساقيتها.
في فترة الحجر الصحيّ، ركزت أكثر على التحدث مع أبنائي جميعًا؛ فالكبيران في المرحلة الجامعية، ويحتاجان من يستمع لهما، ويؤازرهما، ويشاركهما مشاق الدراسة عن بعد. فكنت مع أبيهما ذاك الصدر المهتم لما يرميان. وجلست أرسم وألون وألعب مع الصغيرة التي تفتقد لوجود صديقٍ أو قرين يماثلها سنًّا.
تعلمت بعض الطبخات الجديدة التي أثرت قاموسي الغذائي وكانت متعة الطبخ بهدوء وروية، من أجمل اللحظات التي مرّت بها عائلتي! حقًّا طعم الأكل مختلف عندما يطبخ بروية لا على عجالة.
وقررت أخيرًا أن أتفرغ لتعليم نفسي ذاتيًّا، فقد أدمنت الدورات التدريبية، والجلسات النقاشية؛ حيث أنني لست من عشّاق التلفاز. وتزامن ذلك مع تدريسي لطالباتي، لذا انتهزت الفرصة ليشاركنني أحيانًا في متابعة هذه الدورات والحلقات النقاشية. كما قمت بالمشاركة شخصيًّا كمتحدثة في إحداها، وكم كان سروري عظيمًا على تخطي الخوف من مواجهة الكاميرا. لذا أكملت المسير بتسجيل فيديو صغير لكيفية استغلال الأدوات الرقمية في تعليم الصغار عن بعد. ومن خلال المشاركة مع إحدى مجموعات العمل في مؤسستنا، قمنا بمشاركة المجتمع المحليّ بفيديو مصغر عن كيفية تعامل طلابنا وطالباتنا للتعلم عن بعد، ما هي المعيقات والتحديات والإيجابيات التي وجدوها، وكيفية خروجهم من هذه الأزمة بسهولة ومرونة وحكمة.
في الحجر الصحي، استطعت أن أستعيد نفسي، وهدوئي الداخلي، والتصالح مع الذات المرهقة. وجدت من الشغف ما يدفعني للتقدم للأمام دون خوف أو وجل. وجدت أن الأيام ساعات ودقائق طويلة يمكن استغلالها بطريقة إيجابية. تناقشت مع أقطابٍ فكريةٍ من جميع أنحاء الأرض، وكان التفاعل والاندماج مع الأقران الأجانب مميزًا حيث كانت آذانهم صاغية لما أقول، حتى لو لم تكن لغتي بكفاءة لغتهم. وجدت أشخاصًا جد متواضعين، ومهتمين، وجاهزين دومًا للمساعدة. وجدت أنك يمكنك أن تصنع السعادة خلف الأبواب المغلقة.
وختامًا، تذكر أن العالم لا ينتهي عند نقطة غلق، فيمكنك أن تفتح نافذةً صغيرةً تشاهد بها قوس المطر، وهو يحنو على قطراته. عندها تجد أن على الأرض ما يستحق الحياة.