ستخبرك معظم مقررات كتب الفيزياء بأن تسارع الجاذبية الأرضية قرب سطح الأرض ثابتٌ لا يتغير، وله قيمة 9.8 متراً في الثانية المربعة.
وبينما هذا الأمر صحيحٌ تماماً، دعونا نأخذ خطوة للوراء ونفكر بالأمر ملياً. يا ترى، هل سيكون تأثير تلك الجاذبية على الأجسام ثابتاً لا يتغير مهما كانت المسافة التي تفصل هذا الجسم عن سطح الكرة الأرضية -مصدر الجاذبية-؟ وفي حالتك، هل سيكون لها تأثيرٌ ثابتٌ على طول خط سير رحلتك نحو المريخ أو أيّ كوكبٍ آخر؟
إن الجواب المنطقي والمباشر: بالتأكيد لا! فمن المنطقيّ جداً أن نفكّر بأن تأثير هذه الجاذبية سوف يقل تدريجياً كلما ابتعدت عنها منطلقاً نحو المريخ!
الآن، لا أريد منكم أن تسيئوا فهمي، فتسارع الجاذبية نفسه ثابت ولم يتغيّر مع تغيّر المسافة -وتحديداً ازديادها في حالتك- التي تفصلك عن مصدره -أي مصدر الجاذبية- ولكن ما تغيّر هنا أو بالأصح ما تناقص هو قوة تأثير هذه الجاذبية على جسم مركبتك حين سافرت مبتعداً عن كتلة الكرة الأرضية مُتجهًا إلى المريخ، إذاً فقوّة الجاذبية شيء آخر مختلف تماماً، يتزايد وينقص باعتبارات معيّنة، أما الجاذبية تنعدم بمجرد خروجك من الأرض.
مثال للتوضيح
- خذ مثالاً بسيطاً لتقريب الفكرة، كمغناطيسين موجودين على مقربة من بعضهما البعض مثلاً. سيكون تأثير أحدهما على الآخر جذباً أو نفراً بحسب القطبين المتقاربين عالياً جداً إذا كانت المسافة بينهما قريبة جداً، ولكن، في اللحظة التي تقرر فيها التلاعب بالمسافة وزيادتها بين المغناطيسين، ستلاحظ أن هذا التأثير بدأ يضعف شيئاً فشيئاً كلما ابتعدا -أي المغناطيسين- عن بعضهما البعض. ومع أن شيئاً لم يتغيّر في كتلة المغناطيسين أو قوتهما إلا أن ما تغيّر هنا هو عامل المسافة.
- لقد تعمّدتُ طرح هذا المثال المشابه لكي أحفّز عندك الصورة العامة من خلال النظر إلى المثالين بعينٍ واحدة، وبالقيام بمقارنة بسيطة بين مثال المغناطيس الذي طرحته عليك ومثال السفر نحو المريخ، ستجد أنني أقصد بالمغناطيسين تلك المركبة التي ستنطلق من نقطة قريبة من سطح الكرة الأرضية أو حتى من نقطة ملازمة لسطح الكرة الأرضية تماماً، والكرة الأرضية نفسها كجسمٍ ثانٍ، والمسافة التي تتزايد شيئاً فشيئاً بينهما تشبه تلك التي تتزايد بين المغناطيسين عند إبعادهما عن بعضهما البعض، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف النسب والأبعاد.
قانون الجذب العام لنيوتن
ولو حاولت البحث عن تلك العلاقة الفيزيائية التي تربط قوّة الجاذبية بالعوامل التي تؤثر بها، ستجد أنها وبحسب قانون الجذب العام لنيوتن تعتمد طردياً على كتل الأجسام المتجاذبة، ولكنها تعتمد عكسياً على مربّع المسافة التي تفصل بين أي جسمين. أي في حالتك، الجسمين هنا لا ريب هما مركبة رحلتك التي ستستقلها مبتعداً عن الكرة الأرضية بما فيها من أشخاص ومعدات وحمولة، والجسم الآخر هو جسم الكرة الأرضية.
إذاً فكلما ازدادت المسافة التي سوف تفصلك عن كتلة الكرة الأرضية، سوف تقل تباعاً قوة الجاذبية الأرضية (أي تأثيرها عليك) شيئاً فشيئاً وبالتدريج، بينما يبقى تسارع الجاذبية الأرضية ذاته ثابتاً فيزيائياً لا يتغيّر تحت أي ظرف من الظروف.