يعود السبب وبكل بساطة إلى مخارج الحروف فحرف الباء في كلمة بابا هو حرف شفوي ويخرج من الشفاه دون الحاجة لخروج الهواء من الحلق بشكل كبير والأنف بينما حرف الميم هو حرف شفوي يحتاج إلى التحكم بالنفس بطريقة أكبر وإخراج الهواء من الأنف والحلق والبطن ومن هنا فإن التطور اللغوي لدى الأطفال يبدأ من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا. وهذا ما نطلق عليه في علم التربية والنمو التطور اللغوي عند الأطفال.
وحتى تكون قادر على فهمي تماما حاول معي الآن وقم بلفظ مقطع (با) وحده ومن ثم قم بلفظ مقطع (ما) ستجد بأن الجهد المبذول في مقطع (با) أسهل بكثير من مقطع (ما)، فالطفل، هنا يصدر صوت شفوي وفي كثير من الأحيان يمكن أن يخلط الأهل بين لفظ الصوت ولفظ الكلمة، حيث إن الطفل الصغير يبدأ بالمناجاة ومن ثم يبدأ بإصدار الأصوات الشفوية والتي تبدأ بحروف شفوية ومن أول هذه الحروف حرف الباء لأنه الأكثر سهولة فنجده ينتج صوت (با) ومع تكرار هذا الصوت من قبل الأهل مع الطفل يبدأ الطفل بتركيبة فايصدر (باب) ومن ثم (بابا).
ويمكن أن أقدم لك بعض المعلومات حول التطور اللغوي الذي يجعل الطفل ينطق كلمة بابا قبل ماما بشكل تفصيلي كالتالي:
المرحلة اللا لغوية؛ فالطفل الرضيع يصدر في أول مراحل الحياة أصوات غير مميزة وغابها أصوات وجدانية تتمثل في أصوات الألم والجوع والغضب أو أصوات السرور والرضا والضحك، وهذه الأصوات فطرية تصدر بشكل لا إرادي عكس اللغة فهي لا تحتاج لتجريو وتعلم أو تقليد، وغالبًا ما تكون هذه الأصوات مرتبطة بشكل طبيعي ما بين جهاز النطق والجسم والنفسية عند الطفل، والأصوات في بداية مرحلة الرضاعة غالبا ما تكون أصوات حركات تختلط ببعض الأصوات الصامتة (دون حركة للشفاه أو الفم) عند التجبد أو حمل الطفل وغيره.
تأتي بعد المرحلة الوجدانه اللاإرادية، مرحلة الأصوات الوجدانية الإرادية والتي تشكل لدى الأهل معنى معين وقبل اكتساب اللغة والتي قد تبدأ تعبر عن الغضب أو الألم ومن ناحية علمية فالأصوات الوجدانية الإرادية هي ذات أصل فسيلوجي فهي متشابه عن الأطفال جميعًا، فمع مرور الوقت يبدأ الطفل بربط استجابة الأم بما يصدر من أصوات ويبدأ باستخدام هذه الأصوات كوسيلة للتواصل مع الأم، وفي كثير من الأحيان نجد الأم تقول ابني يشعر بالجوع أو أن ابني يعاني من ألم في البطن، نتيجة التواصل ما بين الأم والطفل تصبح لغة الأصوات مفهومة بينهم.
المرحلة اللغوية؛ وتبدأ مرحلة الأصوات اللغوية بالمناغاة وهي ما بعد الشهر السادس على أقل تقدير حيث يبدأ الطفل في هذه المرحلة بمرحلة المناغاة العشوائية ويبدأ بإصدار أصوات لا يكون نطقها مقصود بالنسبة له وإنما هي أصوات عشوائية والتي منها مقطع (با) والتي قد يفسرها الأهل بأنها نطق لكلمة بابا، فهذه المقاطع عشوائية وتصدر عن طريق الصدفة, وحسب الدراسات فإن الهدف من إصدار هذه الأصوات أن الطفل يبدأ بتدريب أعضاء النطق لديه على القيام بمهمتها الأساسية وهو أمر فطري مكتسب في نفس الوقت فالاستعداد اللغوي هو استعداد فطري أما الاكتساب اللغوي هو متعلم.
وبعد مرحلة المناغاة العشوائية تأتي مرحلة المناغاة التجريبية وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل بتمييز الأصوات التي يصدرها ويصبح قادر على نطف أصوات مختلفة منها ما وبا لكن هنا الأصوات لم تكتسب بعد صفة التفاعل الاجتماعي، فلا يهدف منها التواصل الاجتماعي مع الأم أو الأب.
وبعد مرحلة المناغاة التجريبة تأتي مرحلة المناغاة الاجتماعية والتي يبدأ الطفل إصدار الأصوات ماما وبابا بقصد التواصل وهو ميز لها بشكل واضح وتام.
ففي كل مرة يقول فيها الزوج للزوجة أن ابني قد نطق بابا قبل ماما أولا فخلي عنك الشعور بالغيرة والغيظ واعلمي أن السبب في هذا الأمر طبيعة التطور اللغوي لدى الطفل ليس إلا، فلا يعود السبب لأن الأب يجلس مع الطفل أكثر أو لأن الطفل يحب الأب أكثر، كل ما في الأمر يعود لتلك الحنجرة الصغيرة التي تحاول أن تطور نفسها.