يقول الهُذَليّ:
وكَم من وِجارٍ كجَيْبِ القَميص، ... بهِ عامِرٌ وبه فُرْعُلُ
وعامرٌ هنا ولدُ الضّبع، فمن أين جاءت هذه التّسمية؟
أم عامر (وهو لقب يختص بأنثى الضبع الشرسة ويقال لها نوش الخسيسة) وقيل في ذلك أنّ تسميتها جاءت كون الذئب يرعى أولادها إذا قُتِلتْ فيبقى أولادها فلذلك كنّوها أم عامر أي أنّ أولادها يُعمّرون، وقد أشار إلى هذا الجاحظ في كتابه الحيوان، حيث قال:
" ويقولون إنَّ الضبع إذا صِيدتْ أو قُتِلَتْ فإنَّ الذئبَ يأتي أولادَها باللحم وأنشد الكُميت:
كما خامرتْ في حِضنها أمُّ عامرٍ
لذي الحبلِ حتى عَالَ أوسٌ عِيَالَها
وأوس: هو الذئب".
وفي ذلك أيضاً روى العالم الشيخ أبو بكر البيهقي في آخر شعب الإيمان، عن أبي عبيدة أنه سأل يونس ابن حبيب عن المثل المشهور (كمجير أم عامر)، فقال: كان من حديثه أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم (أم عامر) وهي الضبع فطردوها فاتبعتهم حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا. وطريدتنا. قال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي (لأنها استجارت به). قال: فرجعوا وتركوه، فقام إلى لقحة (ناقة) فحلبها وقرب إليها ذلك، وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة تلغ من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته، إذ وثبت عليه، فبقرت بطنه، وشربت دمه، وأكلت حشوته، وتركته فجاء ابن عم له فوجده على تلك الصورة فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: صاحبتي والله: وأخذ سيفه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله **** يـلاقي مـا لا قى مجير أم عامر
أدام لـها حين استجـارت بقربه **** قـراها مـن البان اللقاح الغزائر
وأشبعهــا حتى إذا ما تملأت **** فرته بأنياب لهــا وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من **** غداً يصنع المعروف مع غير شاكر