هذه العبارة أصلها حديث نبوي صحيح روي بألفاظ متقاربة منها :
- «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ» ، و هذه رواية أحمد وأبو دواد والطيالسي.
- وروي بلفظ «مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر الله». وهذه رواية الترمذي
-وروي بلفظ«إن أشكرَ الناس لله عز وجل أشكرُهم للناس» وهذه رواية البيهقي وابن أبي شيبة.
والحديث صحيح على كل حال.
أما لماذا تقال أو معنى هذه العبارة فهو :
أن من كانت عادته كفران معروف الناس وعدم شكرهم والثناء عليهم إذا أسدوا إليه معروفاً سواءً كان واجباً أو حقاً عليهم فأدوه كما هو بدون مماطلة ، أو ليس بواجب ولكنه معروف من عندهم وحسن خلق منهم، فمن لم يحمله خلقه وطيب نفسه على شكر الناس على ذلك مع انه من محاسن الأخلاق التي تدل على مروؤة الإنسان ، فإنه لن يحمله دينه على شكر نعم الله عليه .
لأن عدم شكر الناس ومقابلة معروفهم بالسكوت أو الجحود والكفران مع معاينة إحسانهم دليل على سوء خلق هذا الإنسان وسوء طويته، ومن كانت هذه حاله كيف ينتظر منه أن يشكر الله على إحسانه وفضله ونعمه وهو سبحانه غيب لا يشاهده!
فمن لم يستح ممن يراه رأي العين لا ينتظر منه أن يخجل ممن لا نراه رأي العين!
وفي المقابل فشكر الناس على معروفهم وفضلهم وقيامهم بما عليهم دليل على حسن خلق الإنسان وطيب معدنه ، ومن كان هذا معدنه فإن نفسه في الغالب تدفعه إلى شكر الله على فضله ونعمته.
فالشكر مبدأه وأساسه عدم رؤية النفس والاعتداد بها والاغترار والكبر ، وإنما التواضع وهضم حق النفس ، وشكر الناس من عدمه أمارة على ذلك .
فإنك تجد المتكبر المغرور يرى لنفسه منزلة فوق الناس تدفعه إلى اعتبار كل ما يأتيهم منهم واجب لا يستحقون الشكر عليه، وهذا الغرور سيدفعه إلى ذات الخلق مع ربه .
وإذا أردت مثالاً عملياً فانظر في قصة الثلاثة نفر من بني إسرائيل الذين ابتلاهم الله بالبرص والقرع والعمى والفقر ثم عافاهم جميعهم من الأمراض وأنعم عليهم بالمال كل واحد بما يرغب ،ثم ابتلاهم الله بملك على صورة فقير أو ابن سبيل يطلب معونة وصدقة ، فرفض اثنان منهم ونسبا النعمة لأنفسهم وقالا : إنما ورثناه كابراً عن كابر ! فلم يشكرا الله ولا الملك الذي جاءهما أول مرة عند فقرهم ، بينما شكر الثالث .
وهذا تجده واقعاً عملياً في الحياة أيضاً ومن عاشر الناس عرف ذلك منهم.
والشكر والثناء على من أسدى إليك معروفاً مبدأ إسلامي أصيل حتى مع الكافر ، وكان نبينا يحرص على ذلك عليه الصلاة والسلام ، والقصص في السيرة على ذلك كثيرة.
والله أعلم