أبلغ ما يمكن إيصال المعاني من خلاله؛ دون ندامة أو خطأ, كل النفوس تجيد الكلام لكن لا يجيد الصمت إلا أصحاب العقول الناضجة, أولئك الذين يترفعون عن كل ما يؤذيهم بفعل واحد, وهو الصمت, من هنا يقال أن الصمت لغة العظماء, فلسان المرء حر طليق, يستطيع أن يشتم ويجادل دون فائدة أو أن يكسب نقاشاً بحدته ولذاعته؛ وإمساك اللسان عن القول فعل راقٍ جداً ويكون في كثير من الحالات أبلغ من ألف كلمة تخرج, ولكن صمتاً عن صمتٍ يختلف؛ فذاك الذين يكون عن ضعف لا يمكن أن يكون لغةَ لشخص عظيم , فحين يستلزم على الإنسان الكلام ليأخذ حقه أو يدافع عن مظلوم, أو يسترد شيئاً سُلب منه فهنا يكون الكلام واجب والصمت ضعف, أما حين يترفع الإنسان عن أذية أحد أو جرحه أو رد الإساءة بمثلها لأن من يقابله غالٍ عليه, فحينها يكون الصمت سيد الموقف, ولمن الحكمة أن يعرف الإنسان متى عليه أن ينطق ومتى يكون صمته بليغاً, يقول عز وجل: " والكاظمين الغيظ", وتقول الحكمة :" أحمد البلاغة الصمت حين لا يَحْسُنُ الكلام.", ويقول الشاعر أبو العلاء المعري: " وَاِصمُت فَإِنَّ كَلامَ المَرءِ يُهلِكُهُ // وَإِن نَطَقتَ فَإِفصاحٌ وَإِيجازُ
وَإِن عَجَزتَ عَنِ الخَيراتِ تَفعَلُها // فَلا يَكُن دونَ تَركِ الشَرِّ إِعجازُ"
إذن؛ نجد أن كل النفوس قادرة على الكلام والإيذاء ورد الإساءة؛ ولكن لا بقدر على الصمت إلا من يمتلك روحاً حكيمة عظيمة تحب الخير.